مدونة مذكرات ثائرة مسلمة: نوفمبر 2011

لماذا مدونة مذكرات ثائرة مسلمة

اخواتى المسلمات فى كل مكان


اننى اخت مسلمة ولا ادعي الالتزام ولكنى احاول ان ارضى ربي سبحانه وتعالي \
ولاننى عملى ومهنتى فى الكمبيوتر والانترنت ازهلني ماقرات منذ ايام من الدعوة الصريحة الى الفسق والفجور

واصبحت ثائرة ثورة عارمة عندما قرات عن العلمانية التى تحرض بنات العرب على الفحش بدعوى الحرية
فقلت لابد من الرد

ولكنى لست عالمة اسلامية ولا كاتبه فاحاول جاهدة ان اجمع بعض المقالات عن العفة والفضيلة فى الاسلام


فساعدونى فى نشر هذه المدونة لتكون ردا لها لعلها تقرأ بها ولو جملة تكون سببا فى هدايتها جزاكن الله خيرا

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

الانقلاب على المنهج, اسباب الانقلاب على المنهج وعلاجه


 الانقلاب على المنهج, اسباب الانقلاب على المنهج وعلاجه

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[آل عمران:8]
((يا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على طَاعَتِكَ))
((يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على دِينِكَ))
((اللهم إني أعوذ بك من الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ))
((اللهم إني أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
اللهم إني أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي)).
لا يعرف العبد قيمة هذه الأدعية المأثورة وأهميتها إلا حين يرى كثرة الانتكاس في الناس، وتقلب قلوبهم، وتغير مناهجهم، وانتقالهم من فكر إلى فكر، ومن منهج إلى آخر، بل من الاستسلام لله تعالى ولشريعته إلى التمرد عليه وعلى شريعته.
لقد رأينا وسمعنا لأناس كانوا من أهل الخير والصلاح والعلم والدعوة والاحتساب والجهاد، أضحوا من أهل الردة والزندقة والإلحاد!
ورأينا دعاة رزقهم الله تعالى من تحصيل العلم وقوة الحجة وحدة العقل وروعة البيان ما حشد جمهور الأمة خلفهم، وشرقت محاضراتهم في الأرض وغربت، ثم خلعوا جلودهم ولبسوا جلودا غيرها، واقتحموا ميادين من كانوا قبل ينتقدونهم، وقبلوا منهم استضافتهم في صحفهم وفضائياتهم، ولم يكن ذلك بالمجان أو لتبليغ الدعوة فحسب...ولكل تنازل ثمنه!
ورأينا من استسهلوا إباحة المحرمات، وإسقاط الواجبات.. ومنهم من قضوا شطر حياتهم في حراسة الفضيلة ثم انقلبوا يبيحون ما يروج للرذيلة ويقضي على الفضيلة.
وسمعنا عمن بكت الجموع لحسن أصواتهم بالقرآن، ولبكائهم في قراءتهم ودعائهم فارقوا المحاريب إلى غيرها!
ورأينا من خضعوا لضغط الواقع الاقتصادي فتساهلوا في أنواع من المعاملات المحرمة، ووظفتهم قلاع الربا في لجانها لتسبغ الشرعية على كثير من تجاوزاتها!
ورأينا من خضعوا لضغط الواقع السياسي، ومتطلبات الجاه والإعلام فحولوا قطعيات الشريعة إلى ظنيات، ثم أتوا عليها بالمسح والتحوير والتدوير لإضعاف الولاء والبراء، وإعلاء شأن الروابط الجاهلية، وتفتيت الرابطة الإيمانية، وتسويق آثام الحضارة المعاصرة.
كل أولئك وقع ولا يزال يقع، وهو مرشح للازدياد، وما كان أحد يظن قبل عقدين أن شيئا من هذا سيحدث، وهو ينبئ عن ضعف النفس البشرية التي قد تتبدل قناعاتها بين لحظة وأخرى، فلا حول ولا قوة للعبد إلا بالله العزيز الحكيم.
ولقد حاولت أن أتلمس أسباب انقلاب القلوب، وتبدل القناعات، وانتكاس المفاهيم عند المبدلين فوجدت أن منها ما يعود إلى ذات المنقلب، ومنها ما يعود إلى المجتمع..

القسم الأول: أسباب تعود لذات المنقلب:
السبب الأول: مشارطة الله تعالى في دينه، وقلَّ من الناس من يسلم من ذلك لكنهم لا يشعرون به، ولا يبين لهم إلا عند الابتلاء، ولو تأملنا أشهر حديث في النية الذي لا يكاد يوجد باب من أبواب الشريعة إلا دخله، بل كان أساساً فيه حتى عده بعضهم نصف الشريعة لوجدنا معنى المشارطة فيه: ((فَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ وَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليه.))([1])
ومشارطة العبد لله تعالى في التزام دينه، والأخذ بعزائم شريعته قد تكون لغاية واحدة، وقد تكون لغايات عدة، وقد تكون لغاية صحيحة، كما قد تكون لغاية غير صحيحة، لكن أصل المشارطة غير صحيح.
فمن المشارطة على غاية غير صحيحة التزام الشريعة لغاية دنيوية كطلب رئاسة دينية، فإذا لم تحصل بدّل حاله لنيلها بطريق أخرى، أو إذا حصلت له رئاسة دنيوية تخلى عن شيء من الدين لأجلها.
وقد يصبر صبراً طويلاً على الدين لما يرجو من عاقبته الدنيوية، كما وقع لرويم البغدادي الزاهد (ت:303) قال جعفر الخلدي: من أراد أن يستكتم سراً فليفعل كما فعل رويم كتم حب الدنيا أربعين سنة، فقيل: وكيف يتصور ذلك؟ قال ولي إسماعيل بن إسحاق القاضي قضاء بغداد وكانت بينهما مودة أكيدة، فجذبه إليه وجعله وكيلاً على بابه، فترك لُبْس التصوف، وَلَبِس الخز والقصب والديبقى وأكل الطيبات وبنى الدور وإذا هو كان يكتم حب الدنيا ما لم يجدها، فلما وجدها أظهر ما كان يكتم من حبها.([2]) نقل حادثته هذه شيخ الإسلام ابن تيمية وعلق عليها بقوله: هذا مع أنه رحمه الله كان له من العبادات ما هو معروف، وكان فقيهاً على مذهب داود.([3])
وكم رأينا في زمننا هذا من أشخاص بدلوا حالهم بعد الجاه والمال أو في سبيل طلبهما؟!
ومن المشارطة على غاية صحيحة طلب العز والنصر والتمكين للأمة؛ فبعض الناس يلتحق بركب الأخيار ويلتزم حدود الشريعة، وينافح عن الدين بيده وقلمه ولسانه، ولكنه لا يجعل غايته من ذلك تحقيق العبودية لله تعالى، وطلب مرضاته، أو لربما اشترك في قلبه مع هذه الغاية غايات أخر، كمن يجعل التزامه بالمنهج الصحيح سلماً لعز الأمة ورفعتها وتمكينها، كونه يوقن بهذه الحقيقة المقررة في الكتاب والسنة.
وقد يرى كثير من الناس أن هذه غاية نبيلة ومطلوبة ومرغوب فيها، لكن يفوت عليهم أن تحقيق العبودية لله تعالى يجب أن يكون غاية لا يزحمها شيء البتة، ويكفي في سوء هذا المنهج أن أصحابه حولوا دين الله تعالى إلى وسيلة لتحقيق غاية أخرى وهي عز الأمة وتمكينها ونصرها، فإذا فات هذا المطلوب غيروا الوسيلة لتحقيقه.
ومن راجع الخطاب الدعوي قبل عقدين فسيرى تكثيفاً في المبشرات بقرب نصر الأمة وعزها والتمكين لها، وأنها تعيش مرحلة مخاض، وأن نصر الله تعالى قريب، وأن اشتداد الظلمة يعقبه الفجر، وأن بعد العسر يسراً، فلما لم يقع ذلك كما قرروه في أذهانهم في زمن معين انسلخوا من منهجهم، وانقلبوا على من بقي عليه بالتنقيص والثلب؛ ليثبتوا للناس أن تحولهم عنه كان صحيحاً.. وليتهم لما فعلوا ذلك كفوا أقلامهم وألسنتهم عن منهج الأمس ومن ثبت عليه، ولم يصطفوا مع المنافقين في حربهم عليه.
ومن جعل المنهج الحق وسيلة لغاية أخرى فحري أن يفارق الحق إلى الباطل إذا لم تتحقق الغاية أو استبطأها. والواجب على المسلم أن يربي نفسه، وعلى الدعاة أن يربوا أتباعهم على جعل الحق هو الغاية، ولا يكون وسيلة لأي شيء آخر، ولنا عبرة في أنبياء الله تعالى الذين لم يُمَكَّن لبعضهم في الأرض، بل قتلهم أعداؤهم، وآخرون لم يتبعهم إلا قليل من الناس فهذا نبي الله تعالى نوح عليه السلام يخبر الله عنه فيقول {وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النبي وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ ليس معه.))([4])

السبب الثاني: الجهل بسنة الله تعالى في معاملته لعباده، فيرى المتمسك بالدين أن نصوص النصر والعز والتمكين، وكون العاقبة للمتقين تتناوله وإخوانه، وأنهم الموعودون بذلك، مع ما فيهم من نقص وخلل في تحقيق شروطه، وأيضاً ما يعتريهم من استعجال في وقوعه، واستبطاء لتحقيقه؛ فيكيفون وعد الله تعالى لعباده بالنصر والتمكين على ما في أذهانهم، ويخضعون سنن الله تعالى في خلقه لمطلوبهم وعجلتهم.
والعجلة طبع في الإنسان لا يكاد ينفك عنه {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37]والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن تمكين الله تعالى لدينه قال: ((وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ))([5]) فهو استعجال في طلب النصر، وتحقق سنن الله تعالى في عباده، ومن هنا ندرك الحكمة من كثرة التأكيد على أن وعد الله تعالى حق وقرنه بالأمر بالصبر والإخبار أن العاقبة للمتقين؛ لأن النفس البشرية جزوعة ملولة كثيرة السخط والتذمر، نزاعة للكسل والدعة والهوى، فلا بد من اليقين مع الصبر لتحقق الوعد {فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ}[الرُّوم:60] وتكرر هذا الأمر في آيتين أخريين، وأمة بني إسرائيل عذبت عذاباً أليماً طويلاً على يد فرعون وجنده، ومع ذلك كانت وصية موسى لهم هي الصبر {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] وليس من الصبر في شيء تغيير المنهج الصحيح والانقلاب عليه استبطاء للنصر والتمكين.
فالواجب على المؤمنين عموماً وأهل الدعوة خصوصاً أن يجعلوا مشاعرهم وسلوكهم وتصوراتهم تجاه الأمة وقضاياها، وما يحصل لها من الألم والذل والهوان على أيدي أعدائها، وما يُرغب فيه من نصرها وعزها والتمكين لها.. خاضعة للنصوص لا أن نخضع النصوص لرغباتنا وأهوائنا، فإن سنن الله تعالى لا تتبدل.
ولو نظرنا إلى أشهر قضية للمسلمين مع أعدائهم في عصرنا، وأكثرها تناولاً في كتاباتهم وخطبهم ومحاضراتهم ومجالسهم هي قضية احتلال اليهود بمعونة النصارى لبيت المقدس قبل ستة عقود، وهي القضية التي عجز المسلمون عن نجدة إخوانهم فيها، فأدى ذلك إلى يأس كثير من الناس حتى ممن ينتسبون للعلم والدعوة من حلها، فركبوا مراكب التطبيع مع اليهود، أو على الأقل سكتوا عن هذه القضية لمللهم من تناولها.
ولو أنعمنا النظر في التاريخ لوجدنا أن الصليبيين احتلوا بيت المقدس زهاء تسعين سنة، وعطلت الصلاة في المسجد الأقصى، ورفع الصليبيون عليه صلبانهم، واتخذوه اصطبلات لخيولهم، وحظائر لخنازيرهم، وربما داخل كثيراً من القلوب آنذاك يأس من عودته للمسلمين، لكنه عاد بعد تسعين سنة من البناء والدعوة والجهاد، وكثير من الذين شاركوا في إعادة بناء صفوف الأمة آنذاك، ودعوة الناس إلى أن يعودوا إلى دينهم، ويتوبوا من ذنوبهم، وكانوا فاعلين في تحقق النصر العظيم الذي توج على يد صلاح الدين رحمه الله تعالى بطرد الصليبيين منه..كثير منهم لم يذوقوا حلاوة هذا النصر، واخترمتهم المنايا قبل إدراكه، ومنهم الملك العادل نور الدين، وليس صلاح الدين إلا ثمرة من ثمراته.

إن كثيراً من المتحمسين لدين الله تعالى يزعجهم حال الأمة وضعفها، وانتهاك الملأ منها للحرمات، وتعطيل الشرائع، والصد عن دين الله تعالى، فلا يتحلون بالصبر والحكمة في مواجهة هذا الواقع الأليم، ولا يصدرون عن العلماء الربانيين، بل منهم من يطعنون فيهم متهمين إياهم بالمداهنة والجبن والضعف، ويظنون أنهم أقدر من العلماء على مواجهة الملأ من أقوامهم، وأن الناس ينصرونهم، فيعرضون أنفسهم لما لا يطيقون من البلاء، فيؤدي ذلك بهم إلى الانتكاس، والانقلاب على المنهج الصحيح.
والله تعالى رحيم بعباده، عليم بقدرتهم وطاقتهم، فلم يكلفهم ما لا يطيقون {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وتغيير المنكر كان فيه تدرج من اليد إلى اللسان إلى القلب حسب القدرة، وأباح الله تعالى النطق بكلمة الكفر لدفع البلاء، ولحماية المؤمن نفسه من الافتتان، مع أن كلمة الكفر أسوأ شيء يقال وهي سبب للعذاب.
وقد روى حذيفة وهو أعلم الصحابة بالفتن وأسباب النجاة منها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لاَ ينبغي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، قِيلَ: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قال: يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ يُطِيقُ))([6])
والمؤمن مطالب بإصلاح نفسه، ثم تعدية هذا الصلاح إلى غيره، فإذا كان سعيه في إصلاح غيره يعود على نفسه بالفساد كف عن ذلك.. وهذا يتصور وقوعه حال الفتن، وغلبة الأهواء، وقوة أهل الفساد، وتمكنهم من البلاد والعباد؛ ولذا جاء الأمر بالعزلة حال غربة الدين، وكثرة الفتن؛ للحفاظ على النفس من التردي والتبديل والانقلاب، وعلى هذه الأحوال تحمل الأحاديث والآثار، ومنها :
1- حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عن الْمُنْكَرِ حتى إذا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كل ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ الْعَوَامَّ))([7])
2- حديث عَبْدَ الله بن عَمْرٍو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كَيْفَ أنت إذ بَقِيتَ في حُثَالَةٍ مِنَ الناس؟ قال: قلت: يا رَسُولَ الله، كَيْفَ ذلك؟ قال: إذا مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا -وَشَبَّكَ الراوي بين أَصَابِعِهِ يَصِفُ ذَاكَ- قال: قلت: ما أَصْنَعُ عِنْدَ ذَاكَ يا رَسُولَ الله؟ قال: اتَّقِ الله عز وجل، وَخُذْ ما تَعْرِفُ، وَدَعْ ما تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهِمْ))([8])
3- قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إنَّ أول ما تُغْلَبُونَ عليه من الْجِهَادِ الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ ثُمَّ الْجِهَادُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ثُمَّ الْجِهَادُ بِقُلُوبِكُمْ، فَأَيُّ قَلْبٍ لم يَعْرِفْ الْمَعْرُوفَ وَلاَ يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ نُكِّسَ فَجُعِلَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ)([9])
4- حديث سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ قال: قال رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: (آمُرُ أَمِيرِي بِالْمَعْرُوفِ؟ قال: إنْ خِفْت أَنْ يَقْتُلَك فَلاَ تُؤَنِّبْ الإِمَامَ فَإِنْ كُنْت َلاَ بُدَّ فَاعِلاً فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ([10])
5- قول حذيفة رضي الله عنه قال: (إني لأشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله»)([11])
6- قول ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إنكم في زمن الناطق فيه خير من الصامت، والقائم فيه خير من القاعد، وسيأتي عليكم زمان الصامت فيه خير من الناطق، والقاعد فيه خير من القائم، فقال له رجل: كيف يكون أمر من عمل به اليوم كان هدى، ومن عمل به بعد اليوم كان ضلالة؟ فقال: اعتبر ذلك برجلين من القوم يعملون بالمعاصي، فصمت أحدهما فسلم، وقال الآخر: إنكم تفعلون وتفعلون فأخذوه فذهبوا به إلى سلطانهم، فلم يزالوا به حتى عمل مثل عملهم)([12])
7- كان الأحنف رحمه الله تعالى جالساً عند معاوية رضي الله عنه فقال: (يا أبا بحر، ألا تتكلم؟ قال: إني أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت)([13])
8- قال مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله تعالى: (لئن لم يكن لي دين حتى أقوم إلى رجل معه مئة ألف سيف أرمي إليه كلمة فيقتلني إن ديني إذاً لضيق)([14])
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى بعد أن ساق جملة من الآثار: (أجمع المسلمون على أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى، فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكره بقلبه فقد أدى ما عليه إذا لم يستطع سوى ذلك، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً لكنها كلها مقيدة بالاستطاعة)([15])
والناس في هذا الباب طرفان ووسط؛ فطائفة اتكئوا على نصوص الرخصة لتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسوغوا المنكرات بأنواع الحيل، وعدوا النهي عن المنكر نوعاً من الخروج المذموم، وهؤلاء هم مرجئة العصر، ولا فرق بينهم وبين العلمانيين إلا أن هؤلاء يتمسحون بالشريعة، وينطقون بالكتاب والسنة، وإلا فهم في النهاية يلتقون مع المشروع العلماني التغريبي.
وطائفة أخرى أخذوا بنصوص العزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يفطنوا لقدراتهم، وظنوا أنهم يقوون على البلاء، لكنهم لما ابتلوا افتتنوا فغيروا مناهجهم، وانقلبوا على إخوانهم، وكانوا طرائق قدداً.
وأهل الوسط هم الذين عملوا بنصوص العزيمة في مواطنها، وأخذوا بنصوص الرخصة في مواضعها، وفروا من الفتن، ولم يعرضوا أنفسهم لما لا طاقة لها به من البلاء، فسلم لهم دينهم، ودرءوا من الشر ما استطاعوا، ولا زالوا ثابتين، ثبتنا الله تعالى وإياهم على الحق المبين.
والمؤمن إذا عجز عن النهي عن المنكر مباشرة لجأ إلى الأمر بالمعروف، فإن أمره بالمعروف نهي عن المنكر بطريق غير مباشر. والانفتاح الذي أصيبت به بلادنا وإن أدى إلى تسرب منكرات كثيرة، وتسبب في تطاول المنافقين على الشريعة وحملتها ومؤسسات تبليغها؛ فإن فيه خيراً من جهة تنشيط الإنكار باللسان وبالقلم؛ فإن دعاوى حرية الرأي التي يتكئ المنافق عليها في تسويق المنكر يستطيع المحتسب أن يتكئ عليها في النهي عن المنكر، وذم أهله، وفضيحة المسوقين له.

السبب الثالث: عدم العناية بعلم الباطن والسلوك، وإهمال تزكية النفس بالأعمال الصالحة، وربما كان للمنقلب معاص في السر أهملها، فكان ضعيفاً في مواجهة المنكر وأهله، خائراً في مقابلة الابتلاء بالصبر والثبات، فانهار في الابتلاء وانقلب على منهجه، وقل أن نجد عالماً من علماء السلف إلا وله كتابة في الزهد أو الرقاق أو تزكية النفس، سواء كانت مفردة أم ضمن مصنف، وهم وإن كانوا يكتبون لغيرهم فإنهم أول من ينتفع بما يكتبون.
والمؤمن إذا اعتنى بصلاح باطنه، وسعى في زيادة إيمانه، وعمل على رسوخ يقينه، وأرى الله تعالى من نفسه اجتهاداً وجِدَّاً في ذلك أعانه الله تعالى وسدده ووفقه لما أراد، والآيات الدالة على ذلك كثيرة جداً، قال الله تعالى: {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:76]وقال تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] أي: والذين قصدوا الهداية وفقهم الله تعالى لها فهداهم إليها وثبتهم عليها وزادهم منها.([16])

السبب الرابع: تأصل فساد القلب بالشبهات أو بالشهوات، فقد يبتلى العبد بشبهة لا يصرفها عن نفسه بالمحكم من الشريعة، ولا يستعيذ بالله تعالى من شرها، ولا يلجأ إلى العلماء الراسخين في دحضها، فتتمكن من قلبه، وتعمل عملها فيه، فينقلب بسببها عن منهجه، وبسبب الشبهة في الدين انتكس عدد من الأذكياء المشاهير قديما وحديثا.
وقد يرد على القلب شهوة تفسده سواء كانت شهوة معصية يلتمس لها الإباحة بعسف النصوص وتحريف معانيها، فيستسيغ ذلك في كل ما يعرض له من شهوة، حتى يكون ديدنه تحريف الشريعة، واتباع المتشابه منها، واستخراج شواذ الفقه، فيردى بسبب شهوته.
وأحياناً يكون تحريفه للشريعة لأجل غيره من ذوي الجاه أو المال أو الإعلام؛ لينال حظوة عندهم، فشهوته تكون في حظوته عندهم، ولا ينال ذلك إلا باتباع شهواتهم في إباحة ما حرم الله تعالى عليهم، أو إسقاط بعض الواجبات عنهم.
أو يكون فيه شهوة بغي وانتصار للنفس، تظهر حال مساجلته لأقرانه، فينتصر لنفسه بمخالفة منهجهم ولو كان حقاً؛ لمجرد أنه يريد مناكفتهم فيه، والانتقام منهم، وهو في واقع الأمر لا ينتقم إلا من نفسه، والانتصار للنفس سبب للذل وضعف الانتصار للحق.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل، فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بها، فنضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه، وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات، أو كما قال، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك.([17])
ففساد القلب وزيغه إنما يكون بسبب شبهة أو شهوة يستسلم لها العبد فيسلب التوفيق، ويحيق به الخذلان، ويعاقب على تقصيره في تحصين قلبه، واستسلامه لوارد الشبهة أو الشهوة، وقد قال الله تعالى في المنافقين {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا} [البقرة:10] وقال سبحانه في اليهود {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [الصَّف:5]وقال عز وجل في المؤمنين الذين دافعوا وارد الشبهات والشهوات {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22]، وكما لا يمكن للإنسان أن يصعد سلماً ثم يجد نفسه في القبو، فلا يمكن أن يترقى في الإيمان واليقين، ويجاهد في صلاح قلبه ثم يجد نفسه زائغاً منحرفاً عن الحق مفارقاً أهله؛ فإن عدل الله تعالى وحكمته ورحمته تأبى ذلك، قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: من نسأل بعدك؟ قال: عبد الوهاب الوراق، قيل له: إنه ليس له اتساع في العلم، قال: إنه رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق.([18])

السبب الرابع: الانفصام بين الظاهر والباطن، ثم اليأس من رحمة الله تعالى، وذلك بأن يكون العبد مقيماً على معصية لم يستطع الانتهاء عنها مع محولاته المكرورة، ولا سيما إذا كان ذلك مما يتعلق بالشهوات، فيقذف الشيطان في قلبه أنه منافق؛ إذ كيف يقيم على هذه المعصية، ويخفيها عن مشايخه وأقرانه، ويظهر أمامهم بمظهر أهل الاستقامة والتقوى، ولا يزال هذا الصراع في قلبه إلى أن ييأس من الإقلاع عن معصيته، ويرى أنه لا يمكن أن يصاحب الأخيار وهو على هذا الحال، فيتنصل منهم شيئاً بعد شيء، ويتخذ رفقة أخرى لا ضير أن يبوح لهم بسره، ويظهر معصيته أمامهم، ويظن أنه ارتاح من تأنيب ضميره.
ولو علم المسكين أن تأنيب قلبه له الذي يجده وهو مع الأخيار خير له من مفارقتهم، فهو دليل على حياة قلبه، وعلى بقاء النفس اللوامة، أما مفارقته لهم، وإظهاره لمعصيته، وانقلاب حاله فهو إماتة للنفس اللوامة، وتسليم قياده للنفس الأمارة بالسوء.

السبب الخامس: منافسة الأقران، فقد يكون له قرين في مثل استقامته أو علمه لكنه تقدم عليه بالحظوة عند الناس أو بمنصب ديني أو بالشهرة أو يفتح الله تعالى له بابا من العلم أو الرزق لا يفتحه لقرينه، فيحسده على ذلك، ويركب الصعب والذلول للحاق به ولو تنازل عن بعض مبادئه أو أكثرها.. وينحصر همه في أن يصله أو يتعداه، ويعظم ذلك إذا كان قرينه أقل منه علماً أو دعوة، أو كان أحد تلاميذه، أو اهتدى عليه فيغار منه، وأعرف شخصا كذلك، إذ ما زال يتقرب لذوي الجاه بالوشاية في قرين أصغر منه لحسده إياه على ما آتاه الله تعالى من العلم حتى فاقه، ومنافسة الأقران في حظوظ الدنيا تؤدي إلى ذل النفس وانحطاطها، وبيعها الدين وتسخيرها الفقه لخدمة الخلق؛ لطلب نصرتهم وعزهم، يقول ابن عاشور رحمه الله تعالى: الحاجة إلى الناصر لا تكون إلا من العجز عن الانتصار للنفس.([19])

السبب السادس: أن يكون للشخص أتباع يظن أنهم ينصرونه ولا يتخلون عنه، فلا يقع ما ظنه منهم فينتقم منهم -من حيث يشعر أو لا يشعر- بمخالفة منهجهم ولو كان صواباً، وكل نبي حمل أعباء الدعوة وحده، وتحمل ما يناله منها وحده، ولم ينتظروا نصرة من غير الله تعالى، وهم قدوة الدعاة إلى الله تعالى.

أسباب تتعلق بالمجتمع (مجتمع العلماء والدعاة):
السبب الأول: صد الطاقات الواعدة، والمواهب الصاعدة، وإهمالها وعدم العناية بها، مع أنها ترى أنها أميز من غيرها من الأقران، والواجب على التابع أن لا يؤثر ذلك فيه لكن بعض الأتباع ضعيف، فعند إهمال المتبوع له -عالم أو داعية أو مرب- يفارق التابع مجلس متبوعه ودرسه، وربما انقلب عليهم بالحط والثلب، وحينها يجد من يتلقفه من أهل الشر، فيرفعه ويعتني به ويستخدمه معول هدم للحق، وأذكر أن فتى يافعاً نبيهاً صار بينه وبين مشايخ بلدته جفوة واختلاف فيمم شطره لبعض مشاهير الشعراء من النصارى، فاعتنى به عناية فائقة لما رأى من نبوغه وعبقريته، وظل يتعاهده ويواصله بالمراسلة مع أن هذا الفتى في العشرينيات، والنصراني في الثمانينيات.
وحدثني بعض أهل العلم والأدب عمن عاصر عبد الله القصيمي -العالم السلفي الذي انقلب إلى ملحد- أن من أسباب صدوده عن أهل العلم، وثورته على الدين وأهله أنه لما قدم من مصر كان يعتمر العقال، ويعتني بمظهره اعتناء زاد على المألوف، فكأن بعض أهل العلم استوحشوا ذلك منه فجفوه، وكان دُعي إلى وليمة لبعض أهل العلم، فلم يأبهوا به ولم يقدموه، فحمل ذلك في نفسه وفارقهم.
وفي مقابل ذلك نرى جلدا من أتباع الباطل في تكثير أتباعهم، والدفاع عنهم، واستماتتهم في نشر باطلهم، وكان لي قريب في المرحلة المتوسطة وكان كتب قصيدة فيها شيء من تمرد ونشرها في بعض الصحف، فاطلع عليها سفير سبعيني، فأرسل له رسالة خاصة يثني عليه بها.
ورأيت شاباً انتحل مذهب الحداثيين في التمرد، فجاوز المعهود في قوله، فأُخذ به، فوقف معه الحداثيون وسائر المنحرفين وقوفاً عجيباً، ودافعوا عنه باستماتة حتى ألغوا ما يستحق من العقاب.
وفي مقابل ذلك فإن كثيراً ممن ابتلوا وهم على الحق لم يلتفت لهم أحد، فربما ضعف بعضهم بسبب ذلك، وانقلب على منهجه السابق.
وتفسير خذلان أهل الحق لأتباعهم، ونصرة أهل الباطل لأفراخهم أن أهل الباطل في مجتمعات المسلمين هم الأقلية، وأهل الحق هم الأكثرية، ومن السنن البشرية أن الأقلية دائمة التكتل، وتسعى في تكثير الأتباع، وتكون معتادة على أجواء التوتر، وتتقن التعامل مع الأزمات، بينما الأكثرية تكون في حالة أمن واسترخاء، ولم تعتد على أجواء التوتر، ولا تحس بفقد بعض أفرادها لكثرتهم. كما أن الحكومات قد تعودت من الأقليات على أنواع من التمرد فلا تستنكره منهم مهما كان عظيماً، بخلاف الأكثرية التي يستكثر منها ما هو صغير.

السبب الثاني: الانفصام بين العلم والعمل: فأحياناً يقع الطالب على مخالفة وقع فيها شيخه -وهو يراه مثله الأعلى- فيسقط من عينه، ويجني على نفسه بإسقاط المنهج الذي ينتهجه شيخه، ويبحث له عن منهج آخر، وقد حُدثت عن بعض أهل العلم ممن هام في بعض المبتدعة، فتعصب له أن بداية ذلك: رحلته لشيخ يأخذ عنه، فرأى في بيته ما يكره أن يراه من شيخه، فنفر منه وتحول إلى شيخ مبتدع كان قد سمع به، فرآه على حال من الزهد لم يره في شيخه الأول، فكان ذلك فتنة له؛ فلزمه وهام به، وركب شيئاً من بدعته. ولو أنه أحسن لسأل شيخه عما كره فلعله معذور فيه، أو متأول، أو غير ذلك. ولو وفق للهدى لفرق بين علم الرجل وسمته؛ فليس كل زاهد في الدنيا يصيب السنة، وليس كل مخطئ في سلوكه يهجر لخطئه ولو كان من علماء السنة، والحق يعرف بالأدلة من الشريعة، ولا يعرف الحق بالرجال، كما أن الباطل يعرف بطلانه بالأدلة، ولا يحيله زهد صاحبه إلى حق.

السبب الثالث: ضعف الفقه في علاج خطأ من أخطأ من أهل العلم والصلاح، أو فعل خلاف ما هو أولى أو ما لا يليق بأمثاله، أو أتى بقول شاذ، فيكون حقه التعنيف والتقريع والسخرية في كثير من الأحيان مما يجعله يصر ويكابر ويدافع عن موقفه ولو كان خطأ، وهنا يتسلل الشيطان إلى قلبه، ويركبه أهل السوء والنفاق؛ لتنفيره من أهل استقامة والصلاح، أو يحرج فيجتنبهم فيجد في الطرف الآخر من يحسن استقباله وتسليته.
وأعرف واحداً من النابهين في العلم خالف في مسائل ولم يكن من أهل البلد الذي عاش طيلة عمره فيه، فكأن بعض الحاسدين له اقتنصوا مخالفته فشنعوا عليه وضايقوه حتى فارقهم ورحل عن بلادهم، فتلقفه آخرون، وأحسنوا احتواءه، ووضعوه في مقامه اللائق به علمياً، وسخروا قوته العلمية في تشريع كثير من الرخص على وفق منهجهم، ونقد المنهج السابق بحجة التشدد. ولا شك في أنه يلام في ذلك، لكن النفس البشرية تضعف أمام المضايقات، وتستعبد لإحسان الآخرين ولو كانوا مخالفين في المنهج الصحيح.
ولو تأملنا السنة النبوية لوجدناها مليئة بحفظ مكانة الشخص ولو أخطأ، وعدم الإسراف في الإنكار عليه بتنقيصه والإزراء به، وفرق بين التعرض لشخصه بالهمز واللمز والتعرض لقوله بالتخطئة والنقد، وكثير من الناقدين لا يفرقون بينهما، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أقام الحد على الشارب فسبه بعض القوم قال صلى الله عليه وسلم رداً عليهم: ((لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عليه الشَّيْطَانَ، وفي رواية: لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ على أَخِيكُمْ)) ([20])
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إنزال الناس منازلهم([21])، ووضعهم في المقام اللائق بهم، وقال في سعد بن معاذ رضي الله عنه: قوموا إلى سيدكم،([22]) وأنزل سيد قريش أبا سفيان منزلته فقال في الفتح: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.([23]) فالنابهون والمميزون وذوو الشأن ليسوا كغيرهم، وينبغي إعطاؤهم حقهم من التوقير والاحترام والاهتمام؛ لأن في تأليفهم خدمة للدعوة وإعزاز للدين بهم.
ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أنه كان يعامل كل أحد بحسب إيمانه وقوته في الحق:
فهجر الثلاثة المخلفين؛ لما ظهر من صدقهم في عدم اختلاق الأعذار؛ وذلك لتربيتهم، وظهر صدق توبة كعب رضي الله عنه في رفضه لعرض ملك غسان..فلا تكون هذه المعاملة قاعدة ثابتة، ولا تصلح مع كل أحد.
ولم يول خالد بن الوليد رضي الله عنه في أول إسلامه مع شهرته في القيادة، وجعله جنديا تحت قادة هو أولى بالقيادة منهم من الجهة العسكرية، وما أرى ذلك -والله أعلم- إلا تربية له؛ ليكون إسلامه لله تعالى ولا حظ فيه لشيء من الدنيا والهوى... فلما صح ذلك من خالد رضي الله عنه ولم يتضعضع أنزله النبي عليه الصلاة والسلام منزلته اللائقة به وولاه وقال: سيف من سيوف الله([24])، ولما أخطأ تبرأ من خطئه (وقال اللهم أبرأ إليك مما فعل خالد) ([25]) لكنه لم يهدره ولم يعزله. وهكذا فعل الصديق رضي الله عنه، فلما تولى عمر خشي أن يفتن الناس به فعزله ولم يهدر منزلته بل أمر أبا عبيدة أن يستشيره في الحرب.
وأعطى المؤلفة قلوبهم وترك الأنصار، والأنصار أسلموا ولم يريدوا من الدنيا شيئا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أسلموا ما كان عنده شيء، بل خاطروا بدنياهم لأجله، وهذا من أبين الأدلة على تمكن الإيمان من قلوبهم، فعاملهم بحسب إيمانهم.
والمخطئون في معاملة من أخطأ من النابهين على طرفين: فطرف يداهنهم في دين الله تعالى لإرضائهم، ويوافقهم في بعض باطلهم بزعم أن يقبلوا الحق الذي عنده، وهي طريقة من يظنون أنهم من أهل التيسير، وهم في الحقيقة أهل التمييع والمداهنة في دين الله تعالى مع الكفار والمنافقين والمنحرفين، ولما ساومت قريش رسول الله على دينه أنزل الله تعالى سورة الكافرون؛ ليعلم الناس أنه لا مساومة على دين الله تعالى، وحسم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر فقال: ((فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ، والله أني لاَ أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ على الذي بعثني الله له حتى يُظْهِرَهُ الله له أو تَنْفَرِدَ هذه السَّالِفَةُ))([26])يعني: رقبته الشريفة.
وطرف آخر يجفوهم ولا يأبه بهم، وإذا أخطئوا عنف عليهم وتجاوز في انتقاده لهم، فتخسرهم الأمة بسبب هذه المواقف التي يمكن اجتنابها. وينتج عن خروجهم من صف الدعوة مفاسد أهمها:
1- ربما خسارتهم لدينهم، كمن ألحدوا أو انتهجوا مناهج الشك، أو صححوا أديان الكفار، نسأل الله تعالى العافية
2- خسارة الأمة لطاقات نابهة.
3- استخدام أعداء الإسلام لهم، وتجييشهم ضد الدعوة والدعاة من أوجه:
أ‌- الاستفادة مما لديهم من معلومات شرعية للطعن في الشريعة أو للاستدلال على ما يريدون من انحراف الناس، وقد رأينا بعد موجات الارتداد والانقلاب أن كثيرا من وسائل الإعلام التي تدعو الناس إلى الفساد والثورة على الدين صارت تعرض من النصوص والأقوال ما يؤيد شبهاتها، وكل هذا إنما يؤخذ من هؤلاء المنقلبين على أعقابهم سواء كان مباشرة وبأقلامهم أم بواسطة.
ب‌- محاولة إقناع المترددين بهؤلاء الذين سبقوهم إلى الانحراف، وخاصة أنهم يصفونهم بالجراءة والشجاعة والتحرر من التقليد، ويلقون في أنفسهم بأنهم رواد وطلائع للتغيير وللنهضة المنتظرة.
ت‌- الصد عن دين الله تعالى، كأنهم يقولون لمن يريد الاستقامة على دين الله تعالى والانتظام في سلك الصالحين : هؤلاء جربوا الطريق قبلك.
ث‌- كشف عورات المسلمين، بذكر ما رأوا على الصالحين والدعاة والعلماء من هفوات وزلات لا يسلم منها بشر، وتضخيمها والكذب عليها. ومن ذلك اتهام الجمعيات الخيرية أو حلقات التحفيظ أو المراكز الصيفية ونحوها.
ج‌- بث الشبهات في دين الله تعالى، فكثير منهم حضروا مجالس العلماء والدعاة، ويعرض فيها بعض المسائل الخلافية والمشكلة، أو التي يثيرها الخصوم فيتلقفها فإذا انقلب صار يشغب بها على العلم والعلماء والدعوة والدعاة، وقد أخذها منهم.

السبب الرابع: اختيار أضعف ما عند الخصوم من أصحاب الفرق الضالة أو التيارات الفكرية المنحرفة والرد عليه، والإلقاء في روع الأتباع أن الشبهة انتهت وأن حجة الخصم سخيفة أو ضعيفة وهي في واقع الأمر ليست كذلك، فمع الانفتاح الإعلامي والثقافي صار الشاب يطلع على ما عند الآخرين، وإذا هو ليس ضعيفا كما صوره شيخه، بل فيه قوة، ويحتاج في رده إلى حجة، فينحرف بسبب ضعف جواب شيخه، أو يجد شبهات أخرى لم يتعرض لها شيخه.

أسباب التثبيت على الحق:
من رحمة الله تعالى بعباده أنه لما ابتلى أهل الحق بفتنة أعدائهم لهم، وتسلطهم عليهم، وانقلاب بعض إخوانهم على مناهجهم فإنه سبحانه بين أسباب الثبات على الحق ليحافظ عليها من أراد الثبات، ومن تلكم الأسباب:
1- قراءة القرآن بتدبر، ففيه قصص الثابتين على الحق للاقتداء بهم، وقصص الناكصين للحذر من سلوك مسلكهم قال الله تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:102] وقال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان:32].
2- نصرة الدين بشتى أنواع النصرة بلسانه أو قلمه أو يده والدفع عن الإسلام؛ فإن فاته شرف الجهاد في سبيل الله تعالى بيده فلا يفوته شرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه من الجهاد، وخير وسيلة للدفاع هي الهجوم، ومن كان ناصرا لدين الله تعالى فإنه يستحيي أن ينقلب عليه، والله تعالى وعد من نصر دينه بالنصر، والمنصور يثبت على الحق ولا ينقلب عليه، قال الله تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].
3- الدعاء بالثبات؛ فله أثر عجيب في ذلك، ذلك أن القلوب بيد الله تعالى، قال الله تعالى {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ} [البقرة:250] وقال تعالى {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ} [آل عمران:147] وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ))
4- الاستعاذة بالله تعالى من الكفر والنفاق؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى من الكفر وهو معصوم منه([27])،وإذا خرج من منزله تعوذ من الزلل والضلال والظلم والجهل([28]).وكان يتعوذ بالله تعالى من الحور بعد الكور([29])، قال الترمذي في معناه: (إِنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ، أَوْ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى المَعْصِيَةِ، إِنَّمَا يَعْنِي الرُّجُوعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ.) ([30])
5- فعل المأمورات، واجتناب المحظورات؛ فإن الشيطان يزين للعاصي تسويغ معصيته بالدين، قال الله تعالى في العاصين من بني إسرائيل {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66].
مع السعي الجاد في طاعة الله تعالى، وكثرة عبادته؛ فأهل الكهف لما سعوا إلى طاعة ربهم، وهربوا من شرك قومهم أعانهم الله تعالى على ما أرادوا، وثبتهم عليه، وقص الله تعالى علينا خبرهم لنتأسى بهم في الثبات {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13]والصحابة لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحديبية طائعين لله تعالى ثبتهم الله تعالى على إيمانهم قال الله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4]. مع مجاهدة النفس على الإيمان والطاعة، والبعد عن المحرمات {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]فوعد الله تعالى بهدايتهم متى ما جاهدوا أنفسهم، وخصهم بمعيته لأنهم محسنون.
6- قراءة سير السلف من الثابتين على الحق {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ] [هود:120] ولذلك قص النبي عليه الصلاة والسلام على خباب رضي الله عنه سير الثابتين قبلهم لما شكوا إليه ما يلقون من الأذى. ومنه قصة الساحر والغلام والكاهن، وقول الغلام لما خدت الأخاديد (يا أمه اصبري فإنك على الحق)([31]).
7- تعاهد القلب وملئه بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام فإن ذلك يدفع للثبات والتضحية، فالوالد من فرط محبته لولده يفديه بحياته، والعشيق يفدي معشوقته. ومحبة الله تعالى أكبر وأسمى من محبة الولد والمعشوقة؛ لما لله تعالى من أفضال كثيرة على العبد، ولحاجة العبد الدائمة إلى العبودية لله تعالى.
8- كراهية الكفر وأهله واستحضار عاقبتهم دائما؛ كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ)) ([32])
9- التواصي بالحق وبالصبر؛ فإن الله تعالى استثني من الخسران من تواصوا بهما، قال تعالى {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] وقال تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ} [البقرة:45]وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]وكذلك الصلاة والمحافظه عليها كما في الآيات الأخرى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى..
10- كثرة ذكر الله تعالى {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} [الرعد:28] وطمأنينتها سبب لثباتها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45].
11- لزوم التقوى؛ فبها ينال العبد برهاناً ونوراً وفرقاناً يعرف به الحق من الباطل فلا يلتبس عليه كما قال تعالى {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ} [البقرة:282]وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:29] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28] فمن علمه الله تعالى، ورزقه فرقاناً، وجعل له نوراً فلن يزيغ أو يضل أو يضعف.

كتبه
إبراهيم بن محمد الحقيل

السبت، 19 نوفمبر 2011

سياج العفاف

سياج العفاف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. وبعد:
العفاف مركز شرفٍ, ومورد عز وفخار, للمجتمعات الإسلامية, وهو من أخص مميزاتها, وأولى اهتماماتها, ومن أهم ما يسعى إلى المحافظة عليه أهلها, إذ به يرتفع شأنهم ويتميز منهجهم, ويسمو قدرهم, مما أغاض أعدائهم من ذوي النفوس الدنيئة والأفكار المنحرفة, والمناهج الضالة, من علمانيين ومتغربين, فسعوا جاهدين إلى النيل منه ونقض عراه, عبر خطط مدروسة, وأفكار مدسوسة, باثين سمومهم وسط المجتمع المسلم عبر وسائلهم المتعددة من منابر إعلامية أو كتابات صحفية, أو صيحات ومطالبات سياسية, يبغون من وراء ذلك كله هدم قيم الإسلام وتفشي قيم الكفر والانحلال, زاعمين بذلك أن هذا هو التقدم وأن البقاء على العادات والتشريعات هو مركز التخلف وعنوان التأخر, حتى قال احدهم وهو يتحدث عن قضية المرأة ما نصه:" وإن كانت قضيتها أقسى لأنها محكومة لا بتقاليد فقط, بل بتشريعات وعادات تزعم أنها دائمة" , وقال أيضاً وهو يتكلم عن قوامة الرجل على المرأة وأنها تعتبر سيطرة وملكية خاصة ما نصه:" يسيطر على المجتمع التقليدي ـ أي المسلم المحافظ ـ خوف عصابي مزمن من مسألة فقدانه السيطرة على المرأة........وهؤلاء هم غالباً من دعاة تعدد الزوجات والتسري, وأنصار الملكية الخاصة ـ أي قوامة الرجل على امرأته ـ ودعاة القيم الأخلاقية والرجولية التقليدية المرتبطة بمجتمعات قديمة ـ أي مجتمعات المسلمين الأولى ـ لا نستطيع أن نقول إلا أن الزمن قد تجاوزها, أو أن علينا أن نتجاوزها إذا أردنا أن نتقدم أو أن ندخل العصر الحديث" ( قضية المرأة ـ المقدمة / محمد الخطيب/ وزارة الثقافة دمشق)
فهذا أنموذج بسيط لبعض أفكارهم الهدامة, وتصوراتهم الخاطئة حول المرأة, وهم بذلك كله يسعون لهدم سياج العفاف, وتحطيم موازين الحياء, من خلال دعاواهم الهدامة على مرتكزات القيم, و معالم الكرامة للمرأة المسلمة, والتي ننتقي منها هنا أهمها وهي: الحجاب, والاختلاط, والقرار في البيوت.

- الحجاب:
الحجاب عبادة أمر الله بها, وليست عادة فرضها الزمن, أو ترسخت عبر التاريخ, دل على ذلك أدلة الكتاب والسنة المرجعان الوحيدان في التشريعات والأحكام الإسلامية ومنها:

قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (59:الأحزاب) قالت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن:" لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية" أخرجه أبو داود.
والجلابيب: جمع جلباب، والجلباب: هو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب والتستر به، أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك؛ حتى يعرفن بالعفة فلا يُفتتن ولا يَفتن غيرهن فيؤذيهن.
قال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.
وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.
وقال سبحانه: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ...الآية ) (31:النور)
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني بذلك: ما ظهر من اللباس، فإن ذلك معفو عنه، ومراده بذلك رضي الله عنه: الملابس التي ليس فيها تبرج وفتنة.
وأما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بالوجه والكفين، فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع، كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها.
ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك: ما رواه علي ابن أبي طلحة عنه أنه قال: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة)، وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق، وهو الحق الذي لا ريب فيه.
وأما ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: :"يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفيه - فهو حديث ضعيف الإسناد لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من رواية خالد بن دريك، عن عائشة، وهو لم يسمع منها، فهو منقطع؛ ولهذا قال أبو داود بعد روايته لهذا الحديث: هذا مرسل، خالد لم يدرك عائشة.. ولأن في إسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته.. وفيه علة أخرى ثالثة، وهي: عنعنة قتادة عن خالد بن دريك وهو مدلس.
وقال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (32:الأحزاب)
نهى سبحانه في هذه الآيات نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين، وهن من خير النساء وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجال، وهو: تليين القول وترقيقه؛ لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا، ويظن أنهن يوافقنه على ذلك، وأمر بلزومهن البيوت، ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وهو: إظهار الزينة والمحاسن، كالرأس، والوجه، والعنق، والصدر، والذراع، والساق، ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة الكبيرة، وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا.
وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن، فغيرهن أولى بالتحذير والإنكار، والخوف عليهن من أسباب الفتنة، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن.
ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية: (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن.
وقال الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (53: الأحزاب) فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء، وأبعد عن الفاحشة وأسبابها، وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة، وأن التحجب طهارة وسلامة.
فيا معشر المسلمين، تأدبوا بتأديب الله، وامتثلوا أمر الله، وألزموا نساءكم بالتحجب الذي هو سبب الطهارة، ووسيلة النجاة والسلامة. ( عن رسالة الحجاب والسفور/ ابن باز بتصرف)
وليس مقصود الحجاب فقط هو تستر المرأة بالجلباب وتغطيت بدنها به, وإن كان هذا من أهم مقاصده, لكن مقصوده أبعد من ذلك: فهو حجب كل وسائل الفتنة عن المرأة ومنها, وحمايتها من كل أسباب الرذيلة وهدم سياج العفاف, فكل ما خالف هذا المقصود فهو ليس بحجاب.
لذلك تجد أن أول ما يدعو إليه دعاة الرذيلة هو نزع الحجاب, وكشف الوجه وتميع معنى العباءة في نفس المرأة, لأن نزع الحجاب سبيل تسهيل كل مأربهم الضالة من اختلاط النساء بالرجال, وعمل المرأة بجوار الرجل في مكتب وأحد, ومحادثة المرأة للرجل في السوق والأماكن العامة, وقيادة المرأة للسيارة, وغيرها, لأنه إذا نزع الحجاب تيسر كل ذلك إذ لم يعد عند المرأة ما يمنعها من فعل شيء مما سبق ذكره إذا كان الوجه مكشوفاً والحجاب منزوعاً, والرجال ينظرون إليها بدون مانع ولا حاجز. لذلك تجد كبيرهم الذي علمهم الرذيلة وسنها لهم ـ قاسم أمين ـ يقول في كتابه ( تحرير المرأة) : كيف يمكن لامرأة محجوبة أن تتخذ صناعة أو تجارة للتعيش منها.........كيف يمكن لتاجرة محجوبة أن تدير تجارتها بين الرجال..." إلى أخر كلامه الذي يدلل على مدى ما يسعى إليه من نزع الحجاب وإحلال السفور بدلا منه.
فإذا هدم سياج الحجاب سهل الدخول إلى الاختلاط والسماح به, لأنه لم يعد عند المرأة ما يمنعها عن مخالطة الرجال وقد نزعت حجابها.

- الاختلاط:
مما لا يختلف فيه اثنان ما غرز الله في الذكر والأنثى من انجذاب كل واحد منها إلى الآخر ـ حتى تتحقق حكمة التناسل البشري ـ لذلك جعل الله بحكمته البالغة ضوابط وحدود تضبط هذا التجاذب, ومنع من ترتب المفاسد عليه من قيامه على غير وجهه الشرعي, لذلك كله حرم الاختلاط بين الجنسين, وأمر بقيام العلاقة بينهما على وجهها الشرعي بالزواج, وضبط ما عداه في العلاقة بضوابط شداد, فقال تعالى مخاطباً صحابة رسول الله صلى لله عليه وسلم عن نسائه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (53:الأحزاب) فإذا كان هذا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم مع زكاة نفوسهم, وطهارة قلوبهم, ومع أزواج رسوله صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين, صاحبات الحياء الكامل والدين المتين, مع خلو زمنهم من دواعي الشهوة, ومثيرات الفتن, وأخبر أن قيام الحجاب بينهم عند سؤال الحاجات هو أطهر لقلوب أمهات المؤمنين وصحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم , فكيف بحال نساء اليوم ورجاله الذين قد فسدت أخلاقهم, وكثرت دواعي الشهوة في مجتمعاتهم والله المستعان, فإن قيام هذا الحجاب بينهم عند قضاء الحاجات, بمنع الاختلاط وضبط التعامل بميزان الشرع القائم على درء المفاسد وجلب المصالح أولى وأحرى.
وقد ثبتت التجارب, وشهد الواقع, بمفاسد عظيمة ترتبت على هذا الاختلاط بين الجنسين, من فشو الرذيلة, وانتشار الزنا وأولاد الزنا ـ حتى أصبحت أمريكا وحدها فقط تنتج كل سنة مليون ولد من الزنا، بل واشتكى من مخاطر الاختلاط من عاشره وراء مفاسده من نساء ورجال ـ غير ما في الاختلاط من قيام العلاقات المشبوهة المنتهية بالأسى وخاصة في حق المرأة وذويها, وإن دخول الاختلاط في المجتمعات المحافظة لأعظم سبيل إلى إفسادها وهدم سياج عفافها, لذلك ترى دعاة الفساد ينادون صباحا مساء بالسماح للمرأة بالعمل في كل المجلات, حتى في المصنع والورشة وغيره التي لا تتفق مع فطرة المرأة, وليس هذا غيرة منهم على المرأة وتلبية لحاجتها التي قد تكون من وراء العمل, بل لتحقيق أغراضهم الهدامة ومأربهم الضالة من حلول الفساد بدل الصلاح, وانتشار الرذيلة بدل الفضيلة حتى تشبع غرائزهم الشهوانية, وتلبى مطالبهم الحيوانية.
لذلك نهى الله عن تبرج الجاهلية في قوله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (33:الأحزاب)
"في هذه الآية حذر سبحانه النساء من التبرج تبرج الجاهلية وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" (متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا)، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" (مسلم) ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الفتنة بهن عظيمة ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب وتبرجن فيه تبرج الجاهلية وكثرت بسببه الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد ، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق". ( عن رسالة لابن باز رحمه الله حول الاختلاط في لتعليم)

- القرار في البيوت:
من حكمة الله الذي خلق الذكر والأنثى أن جعل تكوين كل واحد منهما مختلف عن الآخر, ليقوم كل واحد منهما بواجبه في الحياة على أكمل وجه وأحسنه, فالمرأة قوي فيها جانب العاطفة, والرجل قوي فيه جانب العقل وقوة البدن ليتحمل المشاق ويفكر في الإنتاج وجمع المال, لذلك كلف الله الرجل بالنفقة على من تحته من نساء, وكلف المرأة بالرعاية لشؤون البيت ورعاية الأطفال, إذ النفقة والسعي لها من واجبات الرجال, فهم الذين يجب عليهم جمع المال والإتيان به قال تعالى: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) (الطلاق:17) وقال صلى الله عليه وسلم:" كلكم راع وكل مسئول عن رعيته...إلى أن قال والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها وولده ومسئولة عن رعيتها" ( متفق عليه) وبهذا الحديث تتحدد مسؤولية الرجل ومسؤولية المرأة, فالرجل مسئول عن رعاية أهله بالتكسب لهم والنفقة عليهم, والمرأة مسئولة عن رعاية بيتها والعناية بشؤونه.
فهذه هي مهمة المرأة الحقيقية والتي تتناسب مع فطرتها السوية, و تتوافق مع خلقتها البدنية وتتماشى مع تكوينها النفسي.
لذلك أمر الله المرأة بالقرار في البيت, وأمر الرجل بالسعي في الدنيا والبحث عن الرزق فقال تعالى في شأن المرة: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ ) (33:الأحزاب), وهذا هو لأمر المتوافق مع طبيعة المرأة الضعيفة, التي تغلبها العاطفة وتسيطر على تصرفاتها, وهذا من حكمة الله الذي يعلم ما خلق:( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (14:الملك) حتى تحنوا على ولدها وتصبر على معاناة تربيته ورضاعة, وما يلحقها من ذلك من مشقة, فتصبر عطفا على ولدها وحبا له, وهذا ما لا تجده عند الرجال الذين تغلب عليهم الشدة وقلة الصبر من معاناة الأطفال, وهذا يوصلنا إلى أن قرار المرأة في بيتها هو أصلح لها ولولدها وزوجها ومجتمعها, وأحفظ لدينها وحيائها, وأرعى لعفافها وكرامتها.
ولكن دعاة التغريب وحملة راية الفساد يأبون إلا أن تخرج المرأة من دارها ويّدعون أن بقائها في منزلها تعطيل لمُقدَراتِها, وشل لقُدراتها, وإهمال لنصف المجتمع, غافلين أو متغافلين أن بقاء المرأة في بيتها لا يعني تعطيلها عن خدمة مجتمعها أو قيامها بواجبها واستفادتها من قُدراتها, بل بقائها في بيتها هو تفريغ لها لواجبها الأسمى وتحقيق للفائدة العظمى منها لها ولمجتمعها, فهي في المنزل تربي للمجتمع, وتصنع الرجال وتحفظ النساء, فهي تبنى الإنسان وتُقوِّم سلوكه وتحقق استفادة المجتمع كله منه, وهذا والله هو أعظم واجب تقوم به وأكمله, فإذا كان الرجل يخرج من منزله ليعمل من أجل أن يبنى المجتمع, أو يُطعم ويَسقي, فإن المرأة تصنع الإنسان الذي يصنع المجتمع, وتربي الأجيال الذين يرتقى بهم, وهذا والله أعظم وأكرم من عمل الرجل الذي يتعامل مع الجماد والإنسان كجسد, أما المرأة فهي تتعامل مع الإنسان كروح تحيى بحياتها مجتمعات وتموت بموتها أخرى.
وقد شكي من خروج النساء من منازلهم وتركهم مهمتهم الأولى ـ وهي تربية الأجيال ـ الغرب أنفسهم الذين جربوا ذلك وفقدوا بسببه كثيراً من معاني الحياة الحقيقة, إذ أنه بعمل المرأة وخروجها من بيتها يتعطل المجتمع كله, فيقول أحد أركان النهضة الإنجليزية:إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشاء عنه من الثروة فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية, لأنه يهاجم هيكل المنزل ويقوض أركان الأسرة ويمزق الروابط الاجتماعية ويسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم وصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة إذ وضيفتها الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها مع القيام باحتياجاتهم البيتية.
ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير المنازل, وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال, وانطفأت المحبة الزوجية وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة والمحبة اللطيفة وصارت زميلة في العمل والمشاق, وصارت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والتوادد الزوجي والأخلاق التي عليها مدار حفظ الفضيلة. انتهى كلامه. ( عن رسالة عمل المرأة بين الشرع المطهر والواقع الملموس/ فيصل العمري)
وهذه شهادة مجرب عاش واقع خروج المرأة من بيتها وعدم قرارها فيه, والعاقل من أعتبر بغيره, وكفي بالذي خلق الثقلين بصيراً وخبيرا فقد أمر المرأة بقرارها في بيتها و وجهها إلى رعاية شؤونه ونهاها عن ترك هذه المهمة العظيمة, حتى يتكامل المجتمع, ويقوى بنائه ويصلح حاله.
وكل من ترك ما أمر الله به إلى ما نهاه عنه وجد من مغبة ذلك ومفسدته ما يندم عليه حين لا ينفع الندم.
وبهذا نصل إلى نهاية المطاف من تبين سياج العفاف وشد عراه, و الذي يسعى أرباب الفساد ودعاة التغريب إلى نقض عراه وهدم بنائه, من خلال الدعوة إلى السفور والاختلاط وترك المرأة لبيتها, وما يلحقها بعد ذلك من مصائب ومفاسد لا يعلمها إلا الله والله المستعان.
فاحذر أخي المسلم واحذري أختي المسلمة من الاغترار بكيدهم أو الانخداع بمكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال, حتى ولو تلبسوا بلباس الدين أو تمسحوا بكلمات الشريعة, وعليكم بالأمر العتيق الذي يُحفظ به الدين وتقوم به الشريعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
فيصل بن عبدالله العمري

اختاه اين الحياء

اختاه اين الحياء

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم أما بعد :
لقد كثر الجدل هذه الأيام حول عورة المرأة ولم يكن المقصود إلا الحصول على رخصه بالسماح لهن بالعري أمام النساء وخاصة في تلك المناسبات والحفلات في قصور الأفراح وهذا من اثر ما تنقله وسائل الإعلام بشتى أنواعها لتغريب المرأة المسلمة وإخراجها في طور الحياة الهمجية البهيمية وأسوق لك يا أخت عائشة وحفصه وزينب من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الحياء ما كان له من عظيم الأثر في تلك المجتمعات التي تفتقد لها الأمة في زمننا هذا .
‏عن ‏أبي هريرة ‏رضي الله عنه عن النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم ‏قال{ ‏الإيمان ‏بضع ‏وستون ‏شعبة والحياء شعب ‏من الإيمان} رواه البخاري
‏عن ‏ ‏سلمان الفارسي ‏عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏قال { ‏إن الله حيي كريم ‏ ‏يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما ‏صفرا ‏خائبتين } حديث حسن رواه الترمذي
‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏‏رضي الله عنه ‏قال كان النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏{‏ أشد حياء من العذراء في ‏خدرها } رواه البخاري
‏ ‏عمران بن حصين ‏قال ‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏{ الحياء لا يأتي إلا بخير} ‏فقال ‏ ‏بشير بن كعب ‏ ‏مكتوب في الحكمة إن من الحياء وقارا وإن من الحياء سكينة  . رواه البخاري
‏عن ‏أنس ‏قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏{ ما كان ‏‏ الفحش ‏ ‏في شيء إلا ‏ ‏شانه ‏ ‏وما كان الحياء في شيء إلا زانه } حديث حسن رواه الترمذي
‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏قال ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏{ ‏الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار} حديث حسن رواه الترمذي
‏عن ‏ ‏عبد الله بن مسعود ‏قال قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏{ استحيوا من الله حق الحياء قال قلنا يا رسول الله إنا ‏ ‏نستحيي والحمد لله قال ليس ذاك ولكن ‏ ‏الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما ‏ ‏حوى ‏ ‏ولتذكر الموت ‏ ‏والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء}  حديث حسن رواه الترمذي
عن ‏ ‏أبي المليح الهذلي‏ ‏أن نساء من أهل ‏‏حمص ‏أو من أهل ‏ ‏الشام ‏دخلن على ‏عائشة ‏‏فقالت أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏{ ‏ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها } حديث حسن رواه الترمذي
وفي سؤال للشيخ محمد العثيمين رحمه الله عن حكم لبس الملابس الضيقة عند النساء وعند المحارم ؟أجاب بما يلي:لبس الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة وتبرز ما فيه الفتنه محرم لان النبي صلى الله عليه وسلم قال { ‏عن‏ ‏أبي هريرة ‏قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏ صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء ‏ ‏كاسيات عاريات ‏ ‏مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا }رواه مسلم
فقد فسر قوله كاسيات عاريات بأنهن يلبسن ألبسه قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة وفسر بأنهن يلبسن ألبسه خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة وفسرت بأن يلبسن ملابس ضيقه فهي ساتره عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو الزوج فإنه ليس بين الزوج وزوجته عوره لقول الله تعالي{والذين }
وقالت عائشة رضي الله عنها { كنت اغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم يعني من الجنابة من إناء واحد تختلف أيدينا فيه } فالإنسان بينه وبين زوجته لا عورة بينهما وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها والضيق لا يجوز لا عند المحارم ولا عند النساء إذا كان ضيقا شديدا يبين مفاتن المرأة
وسئل الشيح صالح الفوزان حفظه الله عن امرأة لديها أربعة أولاد وأنها تلبس أمامهم القصير فما حكم ذلك ؟فأجاب بما يلي:لا يجوز للمرأة أن تلبس القصير من الثياب أمام أولادها ومحارمها ولا تكشف عندهم إلا بما جرت العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة وإنما تلبس القصير عند زوجها فقط.
وسئل الشيح صالح الفوزان حفظه الله عن كثير من النساء يذكرن أن عورة المرأة من المرأة هي من السرة إلى الركبة فبعضهن لا يترددن في ارتداء الملابس الضيقة جدا أو المفتوحة لتظهر أجزاء كبيرة من الصدر واليدين فما تعليقكم ؟
فأجاب بما يلي:
مطلوب من المرأة المسلمة الاحتشام والحياء وأن تكون قدوة حسنة لأخواتها من النساء وأن لا تكشف عند النساء إلا ما جرت عادة المسلمات الملتزمات بكشفه فيما بينهن هذا هو الأولى والأحوط لأن التساهل في كشف ما لا داعي لكشفه قد يبعث على التساهل ويجر إلى السفور المحرم والله اعلم .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله عن حكم لبس الثياب الضيقة أو القصيرة أو المشقوقة من الجوانب أو القصيرة الأيادي ؟الجواب :الثياب الضيقة التي تبين تفاصيل البدن فلا تجوز للمرأة فإن ظهورها بذلك يلفت الأنظار حيث يتبين حجم ثدييها أو عظام صدرها أو إليتها أو بطنها أو نحو ذلك فاعتياد مثل هذه الأكسية يعودها على ذلك ويصير ديدنها ويصعب عليها التخلي عنه مع ما فيه من المحذور وهكذا لبس القصير أو مشقوق الطرف بحيث يبدو الساق أو القدم أو قصير الأكمام ولا يبرر ذلك كونها أمام المحارم أو النساء لان اعتياد ذلك يجر إلى الجرأة على لبسه في الأسواق والحفلات والجمع الكثير كما هو مشاهد وفي لباس النساء المعتاد ما يغني عن مثل هذه الألبسة والله اعلم
وسئل الشيح صالح الفوزان حفظه الله عن حكم لبس المرأة الملابس الضيقة أمام النساء ؟فأجاب بما يلي :لا شك أن لبس المرأة للشيء الضيق الذي يبين مفاتن جسمها لا يجوز إلا عند زوجها فقط أما عند غير زوجها فلا يجوز حتى ولو كان بحضرة نساء لأنها تكون قدوة سيئة لغيرها إذا رأتها تلبس هذا يقتدين بها وأيضا هي مأمورة بسر عورتها بالضافي والساتر عن كل أحد إلا عن زوجها تستر عورتها عن النساء كما تسترها عن الرجال إلا ما جرت العادة بكشفه عند النساء كالوجه واليدين والقدمين ومما تدعو الحاجة إلى كشفة .
فا الله الله في حياؤك يا أختاه إياك أن تخدشية فأنه أغلى ما تملكين ولا تكوني امعه كوني استقلالية ولا تكوني مقلدة وخاصة للكافرات العاهرات كوني قدوة حسنة وأنكري على من ترينها بتلك الملابس العاهرة .
وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى اله وصحبه وسلم

كتبه أبو أنس الطائفي

العفة هي ميزان كرامة المسلم والمسلمة

العفة هي ميزان كرامة المسلم والمسلمة
إن العفة هي ميزان كرامة المسلم والمسلمة, ولهذه العفة ميزان تقاس به عند ذوي العقول النيرة ألا وهو: الحياء, وإن مما يدل على كماله في نفس المسلمة, هو: كمالها في حجابها وجلبابها, فالحجاب والجلباب في هذا الزمن, بل وفي كل زمن هو ميزان العفة ومقياسها.
وإن تشريع الجلباب والعباءة فيه تحقيق لأعظم مقاصد الشرع في إقامة مجتمع طاهر, الخلق سياجه والعفة دثاره والحشمة شعاره لا تهاج فيه الشهوات ولا تثار فيه عوامل.الفتنة.
والحجاب الكامل للمؤمنة شعار لعفتها وعلامة على صيانتها ودليل على دينها, وما شُرع الحجاب إلا ليحافَظَ على هذه العفة وهذا الدين، ولصيانة المؤمنة من أن يُخدش حيائها أو أن تخدِشها أعين الناظرين من الذين في قلوبهم مرض.

وعليّّ أن أقف وقفات سريعة في الحديث عن عباءة الكتف، أو العباءة المخصرة, عسى أن يكون فيها تنيه وتحذير:

1- هذه العباءة في الحقيقة عباءة روج لها أعداء الإسلام من أجل إظهار تفاصيل جسد المرأة وليس للبحث عن الستر والعفة لها.
2- أن المقصود من العباءة ستر الزينة وإخفائها لا التجمل والتزين, وعباءة الكتف المخصرة لا تحقق هذا, ويخشى على من تلبسها أن تأخذ حكم النساء الكاسيات العاريات، لأنها كاسية بهذه العباءة ولكنها في الحقيقة عارية من الحشمة والستر , فالعباءة هذه لم تحقق المقصود منها, فأصبحت من تلبسها كأنها لم تلبسها بل في بعض الأحيان لو ظهرت بدونها لكان اقل فتنة من الظهور بها.
3- أن لبس عباءة الكتف من خصائص ملابس الرجال, فالرجال هم الذين يضعون العباءات على أكتافهم فلبس عباءة الكتف فيه تشبه بهم, وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم من تشبه من النساء بالرجال.
هذا الكلام كله في عباءة الكتف العادية فكيف بالعباءة المطرزة أو الملونة أو الشفافة!!!!!!

لذلك كله حرم العلماء ـ وعلى رأسهم هيئة كبار العلماء ـ عباءة الكتف لما فيها من الفتنة وعدم الستر واليكم نص فتوى أحدهم وهو: فضيلة الشيخ عبدالله الجبرين حفظه الله:

سؤال: ما حكم لبس المرأة عباءتها على الكتف بدل لبسها على الرأس؟ جواب : أمر الله المؤمنة بالستر الكامل لمنع الغير عن التطلع إليها :{ ذلك ادني أن يعرفن فلا يؤذين } ولبس العباءة على الكتفين يؤدي إلى بروز الرأس وبيان حجم المنكبين وإظهار بعض تفاصيل الصدر والظهر, وهذا يلفت النظر نحوها ويجرئ الفساق إليها وإن كانت عفيفة, ويخشى عليها الدخول في قوله صلى الله عليه وسلم :( صنفان من أهل النار).....أحدهما :( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها),ولبس العباءة على الكتفين خاص بالرجال فإذا لبست المرأة عباءتها على الكتفين صارت متشبهة بهم. والله أعلم.
كتبه فيصل بن عبدالله العمري

المرأة المسلمة مستهدفه

 المرأة المسلمة مستهدفه
ربما سمِعتِ ، أو قَرَأتِ يوماً ما تحذيرَ البعضِ للمرأةِ المسلمة بأنّها مستهدَفة .. ، فهل أنتِ فِعلاً مُستَهدفة ؟ ، وما معنى مُستهدفة ؟ ، وما الدّليلُ على هذا الاستهداف ؟ ، أم أنّ موضوعَ الاستهداف ، كما يقول بعضُ كُتّابِ الصُّحف وبعضُ المثقّفين ، موضوعاً وهمِيّاً لا حقيقةَ له ؟؟ ، ويُلحِقونَه بما يُسمُّونه نظريّةَ المُؤامَرة !! ، .. فدعينا نتناولُ هذه التّساؤلات :
هل أنتِ فِعْلاً مُسْتهدَفة .. وما الدّليل على ذلك؟ والجواب : بدونِ فلسفةٍ طويلة ، ولا كلامٍ عَقْلانيٍّ فارغ ، هناكَ اسْتِهْدافٌ عام ، وهناكَ اسْتِهْدافٌ خاص ، أمّا الدّليل على الاستِهداف العام ، فهو ما نطَقَ به القُرآنُ الكريم وحذّر منه في أكثرَ مِن آية ، قال تعالى : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }. إنـما يدعو حزبه ، يعنـي شيعتَه ، ومن تابعَهُ إلـى طاعته والقَبولِ منه ، والكفرِ بـالله ، لِـيَكُونُوا منْ أصحَابِ السَّعِيرِ ، وقال تعالى : {يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، فنحن جميعاً مُستهدفون مِن قِبَلِ الشّيطانِ وأعوانِه ، بل إنّ القرآنَ بَيّنَ هذا الاستهدافَ الشّيطاني على لسانِ عدوِّنا اللّدودِ ذاتِه لمّا قال : {قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } ، وهناك آياتٌ أُخرى كثيرةٌ مُشابهة لا يتّسِعُ المَقامُ لذِكرِها ، .. ثم إنّ للشيطان أعواناً ، ولذلك حذّر النّبيُّ(صلى الله عليه وسلم) في أكثرَ مِن حديث ، مِن أن يكونَ المسلمُ عوناً للشيطانِ على أخيه ، فيقول أحياناً(صلى الله عليه وسلم) : ((لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا أعوانَ الشيطان)) ، ويقولُ أحياناً أُخرى: ((لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم)) ، فإن كان المُستَهْدِفُ في هذه الآياتِ هو الشّيطان .. فإنّ له[كما تقدّم] أعواناً مِن الإنسِ هيّأهُم ، ثُمّ استخدمهُم لإعانتِه في تحقيقِ هدفِه ، سواءً علِموا بذلك أم لم يعلموا ، والحقيقةُ أنّهم لا يعلمون .. إذْ أنّ ضلالَهم قد اسْتفْحل فيهِم حتّى أعماهُم عن الحقّ فاجتنَبُوه واتّخذوا الباطل سبيلاً لهم ، بل إنّهم أصبحوا دُعاةً للباطل ، فكانوا بذلك أعواناً للشّيطان بالضّرورة ، وهؤلاء هم أهلُ الأهواءِ والشهوات من الإنس ، قال تعالى : (( إنّ الذين يحِبّون أن تشِيعَ الفاحِشةُ في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدّنيا والآخرة ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) ، وقال تعالى : (( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً )) ، تلك المحبّة ، وهذه الإرادةُ هما أصْلُ الاستهداف !! ، إنّهم يُحِبُّون أن تشيعَ الفاحشةُ في أهْلِ الخير ، وإنّهم يُريدونَ أهلَ الخيرِ والطّاعةِ أن يميلوا عن طريقِ الهُدى ميلاً عظيما ، إنّهم واللهِ .. يُرِيدُونَكِ أنتِ أن تَميلي مَيْلاً عظيما!! ، وإنّهم كما ذكر (صلى الله عليه وسلم) مِن جِلدتِنا ، ويتكلّمون بألسِنَتِنا ، وقد يُصَلُّون معنا ، لكنهم كما قال(عليه الصّلاةُ والسلام) : ((دُعاةٌ على أبوابِ جهنّم ، من أجابهُم إليها قذفوه فيها !!)) ، هذا حَوْلَ الاستهدافِ العام ، أمّا الاستهداف الخاصُّ بكِ ، حفِظَكِ اللهُ من الشيطانِ وأعوانِه ، فدليلُهُ قولُهُ(صلى الله عليه وسلم) : ((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَت اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَان )) رواه التّرمذيّ وبنُ ماجة وبنُ حِبّان ، وهو حديثٌ صحيح ، قال العلماءُ في شرْحِهِم لقولِه ((استشرفها)) ، أي : أي زيّنها في نَظَرِ الرِّجال ، وقيل أي نَظَر إليها ليُغْوِيَها ويُغْوِيَ بها ، فأنتِ أيّتُها الأختُ الكريمةُ مُستَهْدفةٌ مِن قِبَلِ إبليسَ وأعوانِه ، وإبليس يحاولُ أن يُفْسِدَ دينَكِ ، ويُفسِدَ دينَ الرِّجالِ بكِ بِحُكْمِ الميْلِ الذي فُطِرَ عليهِ الرِّجالُ نحوَكِ ، ذلك الميْلُ الذي قال اللهُ تعالى فيه : (( زُيِّنَ للنّاسِ حُبُّ الشَّهواتِ مِنَ النّساء .. الآية )) ، فجاءت النِّساءُ في المُقدِّمة ، وذلك الميْلُ الذي حذّر مِنه النّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) في صورتِهِ المُحرّمةِ قائلاً : «ما تركتُ في الناسِ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجالِ من النساء» رواه البخاري ومسلم ، ومن هنا نُفسِّرُ استِخدامَ الشّرقِ والغرْبِ للنِّساءِ ، بل وكثيرٍ من المسلمينَ مع الأسف ، استخدامَهُم للنساء [للغرضِ المادّي] ، في الدِّعاياتِ لتسويقِ مختَلَفِ السِّلَع والمُنتجاتِ الصِّناعيّة ، سواءً كان لها علاقةٌ بالمرأةِ أم لم يكُنْ لها عَلاقةٌ البتّة ، واستِخدامَهِم للنّساءِ كذلك في أماكنِ الاستِقبال في المُستشفياتِ والفنادِقِ ، وفي المطاعِم ، وفي المرافقِ السّياحيّة ، ومُظِيفات في الطّائرات ، وما شابه هذه الأماكِن والأعمال ، يَقْصِدُون من وراءِ هذا التّوظيفِ جذْبَ الرِّجال استِغْلالاً لذلك الميْلِ الفِطْريّ ، وكذلك نُفسِّرُ استِخدامَهُم لِصُوَرِ النّساءِ لتسويقِ المجلاّت ، مع التّأكيد على اختيارِ الفاتِنةِ مِنهُنَّ على صَفْحَةِ الغِلاف ، إلى آخِرِهِ مِن هذه الأغراضِ ، .. فالشيطانُ يستَفِزُّ أعوانَهُ مِن الإنس لاستغلالِ هذا الميْل في تحقيقِ أغراضِهِم المادّية التّجاريّة ، وبالتّالي يَفسُدُ المجتمعُ دينيّاً وأخلاقيّاً ، فأنتِ بلا أدنى شكّ مُستهدفة فخذي الحذَر !! ، نعم .. ، لقد أردتُ أُختي العفيفة .. أن أستدِلَّ بكتابِ اللهِ وسُنّةِ نبيِّه (صلى الله عليه وسلم) على حقيقةِ هذا الاستهداف ، أوّلاً ، لأنّني أعلَمُ أنّهُما في نظري ونظَرِكِ .. أعزُّ وأوثَقُ ما يُستَدَلُّ به ، وثانياً ، حتّى لا أدَعَ مَجالاً لأهْلِ القِيَمِ والمَبادئ المادِّيّةِ ، المعارضين لحقيقةِ هذا الاستهداف ، كي يتفلسفوا ، ويُنَمِّقوا كلاماً عقْلانيّاً لا أصْلَ له مِن شرْعٍ ولا خُلُق ، نعم .. قد يكون أحدُهُم دكتوراً جامِعِيّاً ، أو كاتِباً مشهوراً تتنازَعُ عليه الصُّحُف ، وقد يكون الآخرُ مُحَلِّلاً اجتماعيّاً له في كُلِّ صحيفةٍ بَصْمة ، ولكنّ مبادِئَهُم وقِيَمَهُم ، وإنْ كانت جميلةَ الإخراج ، وقريبةً مِن المَنطقِ المادّيِّ المُجرّد ، إلاّ أنّها غريبةٌ على مبادئِ دين الإسلام ، وبعيدةٌ عن مقاصِدِ الشّريعةِ ، وإن كانوا يتمسّحون بالدِّين في ثنايا كلامهِم ، بل إنّ قيمَهُم في كثيرٍ مِن الأحيان – ولا أُبالِغُ إذا قلت – قيَمٌ مُنحرِفة ، هؤلاء .. هم الذين يُدمنون الدّعوةَ إلى خروجِ المرأةِ للعمل خارجَ بيتِها أجيرةً عند الغير ، وليس لأعمالٍ مُعيّنةٍ خاصّةٍ بها .. لا ، بل حتّى للأعمال الّتي لا تتناسبُ مع تكوينِ المرأةِ الجسَدِيّ ، والنّفسيّ ، والدّينيّ ، بدعوى المساواةِ بالرَّجل وعدَمِ تعطيلِ نِصْفِ المُجتمع ، هؤلاء .. هم الّذين ينتَهِجون أساليب الغرْب في المُطالبةِ بِحقوقِ المرأةِ المَهضومةِ هُناك ، المرأةِ الغربيّةِ المُستَهْلَكة ، الكادِحةِ كدْحَ البهائم ، المرأةِ الغربيّةِ المُستَغلّة .. التي لا وليَّ لها ولا ناصر ، إنّهم ينتهِجون أساليبَهُم ، فيطالبون أن يُتاحَ للمرأةِ المسلمةِ الكريمةِ العزيزة هُنا ، ما أُتيحَ للمرأةِ الغربيّة هناك من حُرّيّةٍ بهيميّةٍ عمياء ، بلا تقديرٍ ولا أدْنى اعتبار لما تترتّبُ عليه تلك المُطالباتُ من مفاسدَ شّرعيّةٍ قرّرها عُلماءُ أُصولِ الشّريعة ، لكنّهم [ لمعرِفتِهِم بِفِطْرةِ الناسِ الدّينيّة هنا في هذا المجتمعِ الكريم ] يتمسّحون بالدّين في ثنايا كلامِهم ، كي يكونَ كلامُهُم أدْعى للقَبُول ، كترديدِهم لعبارةِ " وَفْقاً لتعاليم دينِنا الحنيف وشريعتِنا السّمحةِ " ، ذرّاً للرّمادِ على عيون المغفّلين ، فهم يردّدون هذه العبارة ..ثمّ يُطالبون بما يُناقِضُها‍..!! ، كمطالبتِهم بالسّماحِ للمسلمةِ بالسّفرِ بِمُفْردِها ، أو المُطالبة بإقْحامِها في الرّياضة ، أو في السّياسة ، أو إلحاحِهِم المستميت في مطالبتهِم بقيادَتِها للسيّارة ، أو ما شابه ذلك مِن المُطالباتِ والآراءِ المُنحرِفة ، هؤلاء .. هم الّذين يحتقرون دورَ المرأةِ العظيمِ في رِعايةِ بيتِها وتَهْيِئتِه ليكونَ سَكَناً سعيداً لها ولزوْجِها ، أو لأهلِ بيتِها أيّاً كانوا ، هم الذين يهزئون برَبّةِ البيتِ الّتي سخّرت وقْتَها كاملاً للقيام بتلكَ المَهَمّةِ الفِطْرِيّةِ النّبيلة ، مَهَمّةِ تَرْبِيةِ الأطفال ، وإنشاءِ الأجيالِ الصّالحة ، مَهَمّةِ رَبَّةِ البيتِ ، التي استيقظ الغربُ وتنبّه إلى أهميّتِها بعد فواتِ الأوان ، وأصبح ينادي العقلاءُ في أمريكا وأوروبا إلى عودةِ المرأةِ إلى هذه المَهَمَّةِ العظيمة إنقاذاً للمُجتمع ، هؤلاء ..هم الذين يُقَلِّلونَ مِن شأنِ هذه المَهَمَّة ، بل ويعتَبِرون منْ قامت بها رقْماً زائداً في قائمةِ بَطالةِ النّساء ، فالمرأةُ العامِلةُ في نظَرِهِم ، هي الّتي دخلت سوقَ العمل فحسْب ، هي فقط المرأةُ الأجيرة .. تلك التي تتقاضى راتِباً في مِهنةٍ ما ، وأقول أجيرة ، ليس تحقيراً لمفهوم المِهنة بالنّسْبةِ للمرأة ، أبداً لا أقصِدُ هذا .. ، وإنّما أُحاوِل أنْ أُعِيدَ المُصطَلَحاتِ الّتي ألِفْنا استِخْدامَها إلى أُصولِها الصّحيحة ، لأنّ أجير ، أو أجيرة ، هو[ غالِباً ] المُصطَلَحُ المُستَخْدَمُ في الشّرْع للأعمال المتبوعةِ بالأجْر ، وليس مُصطلَح [ عامل ] ، قال تعالى : (قالت إحداهُما يا أبتِ استأجِرْه إنّ خير من استأجرْت القوِيُّ الأمين )( قال إنّي أُريد أن أُنكِحَك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجُرَني ثماني حجج ) ، حتّى كتبُ الفِقه تُطلِقُ على هذا النّشاطِ من نشاطاتِ الحياةِ لفْظَ الإجارة ، تجدين في أبوابِ الفِقه ، بابْ الإجارة ، أو كتاب الإجارات ، أمّا لفظُ العمل فقد جاء في القرآن بمعنى الطّاعاتِ ، أو السّيئات عُموماً ، كما قدّمنا أوّلَ الكلام ، في قولِهِ تعالى: (( فاستجاب لهم ربهم أنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أُنثى بعضُكم من بعض )) ، (( اعملوا آل داود شكرا )) ، (( فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره )) ، فلفْظُ العملِ لأعمالِ الإجارةِ ، هو في الحقيقةِ مُعرّبٌ من اللّفظِ الغرْبيّ ، لأنّ مُصطلح القُوى العامِلةِ المُنتِجةِ في مُفهومِ الغرْب ، لا يدخُلُ فيه إلاّ الأفرادُ الّذين يتقاضون عن أعمالِهِم أجوراً مادّيّةً ، وبالتّالي فإنّ المرأةَ الأجيرةَ ، التي تتقاضى أجْراً مادّياُ ، المرأة الأجيرة في مفهومِ هؤلاءِ الّذين تربَّوا على أفكارِ وقِيَمِ الغرْب ، هي المرأةُ المُنتِجةُ عِندَهُم نظيرَ مُقابلٍ مادّي ، هي المرأةُ التي تنفَعُ وطَنَها فحسْب ، أمّا الأمّ العاملةُ في مجالاتٍ عظيمةٍ بدون انتظارِ أجْرٍ مادّي ، كتلك المُنْهَمِكةِ في تربيةِ أولادِها ورِعايةِ بيتِها .. فإنّها لا تُعْتَبَرُ امرأةً عاملةً مُنتِجةً نافِعةً للوطن !! ، بل هي في نظَرِهم .. عُنصُراً مُعطّلاً!! ، .. سبحان الله !! ، أيُّ مَسْخٍ فِكْريٍّ يمارِسُهُ هؤلاء !! ، أيُّ إفسادٍ للعقولِ وللأخلاقِ وللقِيَمِ يقترِفونه ، لقد بات كثيرٌ من النّساء من جرّاءِ هذا الطّرْحِ المتكَرِّر والمُجْحِف ، لا يَريْنَ شيئاً يُحقِّقُ كيانَهُنّ ووُجودَهُنَّ سِوى الوظيفة ، أو بِعبارةٍ أخرى أجيرة ، حتّى لو كان مستواهُنَّ المعيشِيُّ بِدُونِ الوظيفةِ مُسْتَوىً طيّباً ، لقد تكوّنت لدى المجتمِعِ نظْرةٌ مادّيّةٌ مُخيفةٌ ، فإذا تخرّجتِ الفتاةُ ولم تتوظّف أجيرةً لدى الغير ، فيا للمُصيبة‍.. ، ويا لَخسارةِ التّعَب ، وأصْبَحَتْ وظيفةُ الفتاةِ شُغْلاً شاغِلاً ، ففي سبيلِ وظيفةِ البِنت .. يهونُ كلُّ شيء ، كلُّ شيء‍ .. ، فمِنْ أجْلِ الوظيفةِ رُدَّ كثيرٌ مِن الشَبابِ المُتَقدِّمِ للزَّواج إذا تعارض الزّواج مع وظيفتِها ، ومِن أجْلِ الوظيفةِ زادت نِسْبةُ الطّلاق ، ومِن أجْلِ الوظيفةِ ، ومُباشَرَةِ العملِ فيها ولو كانت بعيدةَ المسافةِ ، مِئاتِ الأميالِ خارجَ المدينة ، أُزْهِقَتْ كثيرٌ مِن أرواحِ النِّساءِ في حوادثِ السّياراتِ ، ومِن أجْلِ الوظيفةِ ضاعَ كثيرٌ من البيوت ، وانحرَفَ كثيرٌ مِن الأولادِ تحت إشرافِ الخادِمات ، هذا هو نتاجُ النّفْخِ في هذا الموضوع الّذي ينفُخُ فيه هؤلاءِ المادِّيون ، ..
أختي الكريمة .. ، لا تفهمي خطَأً بأنّي ضِدَّ عملِ المرأةِ أجيرةً في مجالاتِ العملِ اللاّئقةِ بها كامرأةٍ مسلمة ، لا .. أبداً ، بل إنّ عمَل المرأةِ خارِجَ بيتِها في بعضِ الحالاتِ يُعتَبَرُ مُهِمّاً وضروريّاً إذا لم تجِدْ من يعولُها ، أو كانت هي بِذاتِها تعولُ والدَيْها أو بيْتَها ، لا سِيِّما وأوضاعُ الأمّةِ الإسلاميِّةِ اليوم لا تَمنَحُ المرأةَ ما يجِبُ على الأمَّةِ أن تمنَحهُ لها في ظِلِّ الحكم الإسلاميّ المُتكامل مِن توفيرِ المعيشةِ الكريمة لها ، وسَتْرِها ، والمحافظةِ عليها مِن التّبذُّلِ خارجَ بيتِها إن لم يكن لها وليٌّ مقتدِر ، فالمقصود أن ننظرَ إلى الموضوعِ بتعَقُّل ، وبِنظرةٍ إسلاميّةٍ شرعيّةٍ متجرّدة ، لا بنظْرةٍ مادّيةٍ لا روحَ فيها ولا مِزْعَةً مِن دين ، فأنا لا أقصِدُ بهذا الكلامِ إلْغاءَ توظيفِ النّساء .. أبداً ، ولكنْ أقصِدُ كما قُلْت ، أنّه ينبغي أن ننظُرَ إلى هذا الموضوع بنظرةٍ مُتَّزِنَةٍ ، نُقدِّمُ فيها المصالحَ الشّرْعِيّةَ في المَقامِ الأوّل ، على المصالِحِ المادِّيّةِ ، الغرْبيّةِ القِيَم ، والتي سيطرت على عقولِ هؤلاء القوم ، وهؤلاء أيضاً ..هم الذين يُحاولون التّأثيرَ على المسلمةِ العفيفة ، بإبرازِ نماذِجَ شاذّةٍ لشخصيّاتٍ نِسائيّةٍ مسلمةٍ في العموم ، لكنّ نظْرتَهُنَّ للحياة ، نظْرةٌ عَلْمانيّةٌ لا تُقِيمُ للدّين ولا للشّرعِ وزْناً عند تحديدِ معالمِ المَنْهَجِ السّلوكيّ والأخْلاقيّ للمرأةِ ، كالمُمَثِّلات ، والمُغنِّيات ، والمُذيعات ، أو مَنْ تقلّدْنَ أيّةَ مناصِبَ تستلْزِمُ مُخالطةَ الرِّجال ، و قتْلَ الحَياءِ في المرأةِ المؤمنة ، مناصبْ .. تستلْزِمُ هدْمَ الحجابِ الّذي أمَرَ القُرآنُ بإقامتِه بين الرَّجُلِ والمرأة (( وإذا سألتموهُنّ متاعاً فسألوهُنّ من وراءِ حجاب .. ذلكم أطهرُ لقلوبِكم وقلوبِهِنّ )) ، هؤلاء أختي .. هم الّذين ما يَفْتئَون يزْعُمون أنّ المرأةَ في هذه البلادِ مظلومة ، مُهانة ، فما هو وجهُ الظُّلْمِ في نظَرِهِم يا تُرى ؟؟ ، هل هي العاداتُ الّتي لا تَمُتُّ للإسلامِ بِصِلة ، العاداتُ التي تحتقِرُ المرأة ، وتعتبِرُها أمراً مَعِيباً يخجلُ الإنسانُ حتّى مِن ذِكْرِه ، كما هو الحاصِلُ في عاداتِ بعْضِ النّاس ؟؟ ، لا ..!! ، طيب هل هي العاداتُ التي تحرِمُها مِن الميراث ، ويردِّدُ أصحابُها المقولةَ المشهورة " الحلالْ ما يروحْ لِلنِّسيب " كما هو المعمولُ بهِ إلى الآن في بعضِ المناطق ظُلْماً وعُدوانا؟؟ ، لا ..!! ، ليس هذا وجهَ الظُّلْمِ عندَهُم .. ولا أمثالَ هذا ، فإنّهم يعلمون أنّ الإسلامَ هو أوّلُ المعارضين لهذه العاداتِ الجاهليّة ، إذن .. فما هو وجهُ الظُّلمِ عندَهُم ، وما هي أمثِلَتُه؟؟ ، إنّ وجْهَ الظُّلْمِ عندَهُم ، هو في مَنْعِ المرأةِ مِن السّفرِ لوحْدِها بلا محرَم ، فهل يقصِدون أنّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ظلَمَ المرأةَ أم ماذا ..؟!! ، لأنّه هو الآمرُ بهذا !! ، فقد صحّ عند الإمامِ أحمدَ وغيرِه قولُهُ (صلى الله عليه وسلم) : ((لا تسافر المرأة إلا مع زوجها أو ذي محرم منها)) ، وفي لفْظٍ آخَر ، ((لا يَحِلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً إلا مع ذي رحم)) ، .. وجْهُ الظُّلْمِ عندَهُم أيضاً ، هو في منْعِها مِن دخولِ عالمِ الفنّ ، كالتمثيل ، والغِناء ، والموسيقى ، كما صوّر لنا الإعلامُ تلك المغنّيةَ ، التي حاول أخوها أن يمنعها من الغناء .. ، صوّرَها الإعلام بصورةِ المرأةِ الجريئة التي تتحدّى الجميع ، الجميع .. حتّى أقاربَها!! ، وتكسِرُ جميعَ الحواجزِ في سبيلِ الفنّ ، فهل رضِيَ اللهُ عن الرّجلِ الذي دخَلَ عالَمَ الفنِّ المُعاصِر فضْلاً عن أن يرضى عن المرأةِ المسلمةِ أن تخوضَ في هذا العالمِ العفِن !!؟ ، وجْهُ الظُّلْمِ عندَهُم ، هو في منْعِها مِن قيادةِ السّيارة ، حتّى في ظِلِّ انهيارِ النِّظامِ الأخلاقي الذي يعيشُهُ كثيرٌ مِن شبابِ الشّوارعِ اليوم ، أولئك الذين لا يأمَنُ الإنسانُ من شرِّهِم على أهلِهِ وهو معهم في السّيارة ، فكيف والمرأةُ تقودُها لوحْدِها أو معها بناتُها الشّابّات (نسألُ اللهَ أن يحفظَنا جميعاً) ، إنّ العاقلَ ، الذي ينظُرُ إلى واقعِ الشّبابِ اليوم ، بنَظْرةٍ عقلانيّةٍ مادّية ، دعْكِ مِن الدّينيّة ، ليأنَفُ مِن هذا التّوجُّهِ خوفاً على عِرْضِه ، فكيف إذا جمَعَ إلى ذلك نظْرةً دينيّةً واعية ، وليست قيادةُ السيّارةِ عندَهُم مقصودةً بذاتِها بِقدْرِ ما هي نقطةُ البدايةِ التي لو تحقّقت ، لطالبوا بعدَها بما هو أكبرُ وأعظم ، .. هذه المطالبٌ وأمثالُها ، هي الحقوقُ التي ينادون بها للمرأة .. ، وإنّني أتعجّبُ أيتُها الأُخت ، أتعجّب مِن هؤلاءِ الذين يُطْلَقُ عليهِم مُثقّفين ، أتعجّبُ مِن إصْرارِهِم على هذا النّوعِ المحدودِ ، والمعروف ، والمُتكرِّر من المطالِب ، ومحاولاتِهِم المُستميتَةِ ، والمُتَكَرِّرةِ بِصورةٍ مُمِلّة ، ولسنواتٍ عديدة ، لِجَعْلِ تلك المطالب واقِعاً مَرْئِيّاً ، .. أتعجّبُ مِن إصرارِهم على تلك المطالبِ المُحَدَّدة ، وإغفالِهِم التّام ، وإهمالِهِم الواضح ، للمطالِبِ الحقيقيّةِ الشّرعيّةِ والمُلِحّةِ للمرأة .. ، إنّهم لم ينادوا بحقِّها ، إنّهم لم ينادوا بحقِّكِ أنتِ أختي العفيفة ، في توفيرِ بيئةٍ أكْثَرَ أمْناً لكِ مِن اعتداءاتِ قُطعانِ الفَسَقةِ ، مِن سِفْلَةِ الشّباب المُتسكّعين في الأسواقِ ، وعند مدارسِ البنات ، وفي الطُّرُقِ العّامّة ، وفي المُنتزهات ، وخاصّةً في المُناسباتِ العاّمة ، واحتفالاتِ الأعياد ، تلك الاعتداءاتُ التي هي آخذةٌ في الازديادِ بشكْلٍ مخيفٍ في الآونةِ الأخيرة ، إنّهم لم ينادوا بحقِّكِ في توفيرِ البيئة الآمنة لصَوْنِكِ وحِمايتِكِ مِن تلك القُطعانِ الهائجة ، لأنّ تلك الاعتداءاتِ ليست مشكلِةً كبيرةً عِندَهُم ، ولكنّ المشكلة هي في منعِ المرأةِ مِن القيادة ، هذه هي المشكلة .. هذا هو الهَمُّ الأكبر !! ، إنّهم لم ينادوا بحقِّكِ في إيجادِ مُنتَزَهاتٍ خاصّةٍ للنِّساء فيها الألعاب والتّسالي للأطفال ، تستطيع المسلمةُ فيها أن تخلعَ حجابَها بلا خوْفٍ مِن نظَرِ الرِّجالِ ، وتُعْطَى بذلك الحُريّةَ الكاملةَ في التّنزُّه وتفريحِ أطفالِها ، إنّهم لم ينادوا بحقِّكِ في ذلك .. بل إنّهم يُعارِضون هذا النّوعَ مِن المُنتَزَهاتِ ، ويُؤكِّدون على أهمِيّةِ الإبقاءِ على المُنتَزَهَاتِ مُختَلَطَة !! ، إنّهم لم ينادوا بحقِّكِ في إيجادِ مكتبات عامّةٍ خاصّة بالنّساء والأطفال ، كي تصحَبَ الأمُّ أطفالَها الصّغارَ معها إلى تلك المكتبات ، فتستفيد ويستفيدون ، مع التّأكيد على المادةِ النّافعةِ في تلك المكتبات ، والحِرْص على تكثيفِ التّرغيب في زيارتِها من خلال الصّحُفِ ووسائلِ الإعلامِ الأخرى ، كي تكتسِبَ المرأةُ العِلْمَ النّافع ، والثقافةَ الإسلاميّةَ الرّفيعة ، وتتربّى على حُبِّ القراءةِ والاهتمامِ بالعلم ، وكذا يتربّى أطفالُها أيضاً ، لم ينادوا بحقِّكِ في ذلك ، لأنّ ذلك غيرُ مهمّ .. الذي يهُمّ عندَهُم هو السّماحُ للمرأةِ بالسّفَرِ لِوَحْدِها ، هذا هو شُغْلُهُم الشّاغل ، لتتمرّدَ على دينِها وأوامرِ نبيِّها ، إنّهم لم ينادوا بإيجاد حلّ جذري لموضوع العنوسة الذي يتزايد عاماً وراء عام ، والذي هو ناتجٌ عن أسبابٍ عديدة ، منها المغالاةُ في المهور ، وجشعُ كثيرٍ من الآباء ، إنّهم لم ينادوا بحقِّ المرأةِ في معامَلَةٍ حسنةٍ مِن زوجِها ، أو من أبيها ، معامَلةٍ خاليةٍ مِن الظُّلْمِ [كالاستيلاءِ على راتبِ الزّوجةِ ، أو الإبنة مثلاً] وغيرِ ذلك مِن أنواعِ الظُّلم ، لم ينادوا بِمَنْعِ ذلك الظُّلْمِ ، ولم ينادوا بِمَنْعِ الإهاناتِ المُتَنَوِّعةِ التي يتلقّاها كثيرٌ من النّساءِ من أزواجِهِنّ ، كما يجري ذلك في كثيرٍ كثيرٍ مِن البيوت ، إنّهم لم ينادوا بحقِّها في رَفْعِ ذلك الظُّلْم ، لأنّ هناك في نظَرِهِم ما هو أهمُّ مِن هذه الأمور ، سخّروا له أقلامَهُم ، واسْتَجْمَعوا له فلسفتَهُم .. ، ما هو يا تُرى ؟؟ ، إنّه إعادةُ النّظر في حُكْمِ غِطاءِ الوَجه للمرأة ، ودندنة طويلة .. ، وأُطروحات مُتَكَلَّفة .. ، ونقاشات متنوِّعة .. ، وجهود .. ، واستحضار لخِلافات فقهية .. ، ومُحصِّلةُ هذا كُلِّه ما هو ؟؟ ، ماذا يريدون في النِّهاية ؟؟ ، يريدون أن ترفَعَ المرأةُ الغطاءَ عن وجهِها ، ..يريدون سفورَ النّساءِ بوجوهِهِنّ في هذا البلدِ الكريم ، آخرِ مَعْقَلٍ للحجابِ الكامل !! ، هذا هو الهدفُ الذي يلهثون في سبيلِ الوصولِ إليه ، ويبذُلون في سبيلِ تحقيقِهِ هذه الجهودَ المُضنِية ، ولن تنشرَِحَ صدورُهُم حتى ترفعَ المرأةُ المسلمةُ الغطاءَ عن وجهِها ، ..حتّى المصالحُ العامّة ، والمهمّة ، التي تنفعُ المرأةَ ، لم يلتفِتوا إليها لشِدَّةِ تركيزِهم على هذا الموضوع ، إنّهم لم ينادوا بِجِدّيةِ بحقِّ المرأةِ العاملة ، وبالذّات المُعلِّمة ، في إيجادِ فُرَصِ عملٍ قريبةٍ مِن مدينتِها ، لا في مُدُنٍ أُخرى بعيدة ، حتّى لا تتغرّب وتتعرّضَ للضّرر ، إنّهم لم ينادوا بحقِّها في هذا المَطْلبِ المُلِحّ ، .. لا .. لأنّهم يصرُخُون هناك ، في وادٍ آخرَ بعيدٍ ، إنّهم مشغولون في طَرْحِ موضوعِ دخولِ المرأةِ عالمَ الرِّياضة ، ..هذا هو المهم!! ، هذا هو حقُّ المرأةِ الضّائعُ في نظَرِهِم !! ، إنّهم لم ينادوا بحقِّ المرأةِ العامِلةِ خارجَ بيتِها بإجازةِ أُمومةٍ مُناسِبةٍ ، براتِبٍ رمْزيّ ، أو بدونِ راتِب ، إجازة .. ليسَ لِمُدّةٍ شهرين أو أربعة ، وإنّما كما نصّ القرآنُ في قولِهِ تعالى : ( وفِصالُهُ في عامين ) على مُدّةِ العامين لِفصالِ الطِّفْلِ الرّضيع ، كي تتفرّغَ المُسلمةُ لأهمِّ عملٍ رفعَ الإسلامُ بهِ شأنَ المرأة ، وجعَلَ الجنّةَ لأجْلهِ عندَ قدَمَيْها ، لتربيةِ طِفلِها والعنايةِ به حقَّ العناية ، لم يُناقِشوا هذا الموضوع ، لم يناقشوا حقّها في زمنِ تقاعدٍ مُبكِّرٍ يُناسِبُ طبيعتَها الأُنثويّة ، لحاجَتِها للالتفاتِ لأولادِها [بنين وبنات] ومتابعتِهِم على أقلِّ حال في سِنِّ المُراهقة ، لم يُطالِبوا بالتّفريقِ بينَها وبين الرّجلِ في المُدّة ، لم يطالبوا بذلك لأنّه موضوعٌ هامشيّ .. ، إنّهم مشغولون في طرْحِ الموضوعِ الأهم ، موضوع ضرورةِ البِطاقةِ للمرأة ، وكأنّه موضوع حياة أو موت ، إنّهم مشغولون في حثّ المرأة على العمل كمذيعة في التلفزيون ، تخرج بوجهِها على ملايين الرّجال ، ثم يمدحون الحالاتِ النّادرةَ مِن النّساءِ ، الحالاتِ التي بِحمدِ الله ، تُعَدُّ بأصابِعِ اليدِ الواحدة ، مِمّن دخلْنَ مجالَ التّقديم التلفزيوني ، ويُجْرُون معهنّ المقابلات ، وكأنّ ما هم فيهِ إنجازٌ فريد ، وشجاعة ، واختراق لحواجزِ العادات والتقاليد ..!! ، .. سبحان الله .. ، آللهُ أمَرَ بهذا ؟؟ ، كان الأجدرُ بهم أن يناقِشوا حقَّها في ألاّ تعيشَ التّناقُض بين الإسلام والواقِعِ الإعلامي المؤلم ، لكنّهم .. ، حفِظَكِ اللهُ مِن شرِّهِم ، على العكْسِ مِن ذلك ، يستغِلُّون بعضَ التّصريحاتِ الرّسميّةِ العامّة ، كتلك التي عقّبت على اتفاقيّاتِ الأمم المُتّحِدة للقضاء على جميعِ أشكالِ التّمييز ضِدّ المرأة ، ليجُسُّوا النّبْضَ لموضوعِ ضرورةِ استِحداثِ "فِقْهٍ مُعاصِر وجديد لقضايا المرأة" ينسجِمُ مع مُعطَياتِ العصْرِ الحديث ، والعولمة ، وتغَيُّرِ الزّمان ، .. هذا ما يحومونَ حولَه بلا مللٍ ولا كلل ، إنّ أقلَّ النّاسِ ذكاءً يُمكِنُهُ أن يلْحظَ فيهِم ذلك النّفَسَ العَلْماني الذي لا يرى للشّرْعِ مُطلقَ الحقِّ في اتّخاذِ القرار في شئونِ المرأة ، سبحان الله .. ما أهونَ الشّرعَ في نفوسِهِم ، وما أشدَّ حِرْصِهِم على تزْهيدِ النّاسِ في الشّرْع ، وما أجْرؤهُم على الخوْضِ في مسائلِهِ وأحكامِهِ التي لا تُعجِبُهُم ، وادِّعائهِم زوراً وبُهتاناً أنّها ليست من الشّرْعِ وإنّما هي عاداتٌ وتقاليد يُمْكِنُ الاستغناءُ عنها بكُلِّ سهولةٍ ، (حفِظَ اللهُ المسلمين من شرورِهِم) .
 ذكرت إحدى التّائبات في رسالةٍ لها (وقد تصرّفْتُ بالرّسالةِ قليلاً لطولِها) قالت : أختي الكريمةُ .. يا رعاكِ الله ، إنّ قُطّاعَ الطّريقِ مِن شياطينِ الإنسِ والجِنِّ كثيرون ، كلٌّ منهم مُتَربِّصٌ بك ، يُحاوِلُ أن ينتزِعَ قِطعةً مِن إيمانِكِ ، كلٌّ منهم يُحاوِلُ أن يُضْعِفَ الصِّلةَ بينكِ وبينَ ربِّك ، كلٌّ منهم يُحاوِلُ إن يُخرجَكِ مِن بيتِكِ ، كلٌّ منهم يحاولُ أن يَنزِعَ حِجابَكِ ، أو على الأقلّ .. أنْ يُفْقِدَهُ وظيفَتَهُ التي شُرِعَ مِن أجلِها ، يُحاوِلُ أن يجعلَ حِجابَكِ زِيَّ إغراءٍ وفِتنة ، يُحاوِلُ أن يجعلَ حِجابَكِ نِقْمَةً عليكِ ووبالاً يومَ القيامة ، بدَلَ أن يكونَ رِفْعةً لكِ عندَ اللهِ وقُرْبةً إليه ، كلٌّ منهم يقومُ بهذه المُحاولاتِ ، بِشتّى الطُّرُقِ المغرية ، وبكُلِّ مَكْرٍ ودَهاء ، كلٌّ منهم يُحاوِلُ أن يقْطعَ عليكِ الطّريقَ ، طريقَ الهِداية ، طريقَ الفوْز ، طريقَ النّجاة ، .. فهناكَ مَن ذَكَرْتُ آنِفاً ، وهناك التليفزيون ، مغسَلَةُ الأدمِغةِ والأخلاق ، ببرامِجه ، ومُسلْسلاتِه ، وأفْلامِه ، .. فيه نفْعٌ ضئيلٌ يسير ، ومُعظَمُهُ شرٌّ مُستطير ، والبدائلُ مُمْكِنة ، ولكنّها ضعيفة ، وغيرُ مُقنِعة ، ولذلك فإنّها تستدْعي صبْرَكِ ، وتستدْعي عامِلاً مُهِمّاً آخر .. بل هو الأهمّ ، تستدعي حُبَّكِ لِرَبِّكِ ، وقُرْبَكِ مِنه ، وتقديمَ محابِّهِ ومرْضاتِهِ على أهوائكِ وشهواتِك ، ..إنّ قُطّاعَ الطّريقِ كثيرون ، فهُناكَ الرّفيقاتُ غيرُ الصّالِحات ، الرّفيقاتُ .. اللاّتي لا يزِدْنَكِ مِن اللهِ إلاّ بُعْداً ، الرّفيقاتُ اللاّتي يفْتَحْنَ لكِ أبوابَ المَعصِية ويُغْرِينَكِ بالدُّخُولِ فيها ، ويُزَيِّنَّ لكِ ما يُسْخِطُ اللهَ عليكِ مِنَ الأزياء ، وأنماطِ السّلوك ، ويُنْسِينَكَ الحسابَ والعِقاب ، فاحْذريهِنّ أشدَّ الحذر ، أشدَّ الحذرِ أقول .. واستبْدليهِنّ بالرّفيقاتِ الصّالحات الصّادِقات ، حفِظَني اللهُ وإيّاكِ مِن سوءِ العاقِبة(( ويوم يعضّ الظالمُ على يديه ، يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطانَ للإنسانِ خذولا )) إنّ قُطّاعَ الطّريقِ كثيرون أختي العفيفة ، فهناك البيئةُ حولَك ، البيئةُ .. من الأهْلِ والمعارف ، وصعوبةِ الهدايةِ الرّاشِدةِ في أكنافِهم أحياناً ، دون التّعرُّضِ للسُّخريةِ والغمْزِ والّلمْز ، فاصبري على ما أصابَكِ مِن ذلك ، ..وهناك البيئةُ حولَكِ من اللّقاءاتِ غيرِ الهادِفة ، التي تَكْثُرُ فيها الغِيبة ، ويكثُرُ فيها الحديثُ عن الدُّنيا ، وبُيوتاتِ الأزياءِ والموضات ، والقيلُ والقال ، ولا يُذكَرُ اللهُ فيها إلاّ قليلا ، البيئةُ المليئةُ بأنواعِ الحَفَلاتِ ، والسّهَراتِ ، والسّفْرات ، ومُسْتَلْزماتِها مِنَ الزِّينة ، والفْخْرِ والخُيلاء ، وغِشيانِ الأسواقِ بصورةٍ مُستَمِرّة ، والاهتمامِ الشّديدِ بالدُّنيا وزينتِها وزُخْرُفِها ، وصرْفِ الأموالِ الكثيرةِ الكثيرةِ في هذه السّبيل ، البيئةُ التي تغرِقُكِ في الغفلةِ ونسيانِ الآخرةِ ، ونُدْرةِ التّفكير في الموْت القريب ، والتّفكيرِ في القبرِ ونعيمِه وعذابِه ، ونُدْرةِ التفكيرِ في الحسابِ والعقاب ، والنّارِ والعذاب ، والجنّةِ والثّواب ، البيئةُ .. التي لا تزيدُ قلبَكِ إلاّ قسْوةً فوقَ قسْوة ، هذه البيئة .. تقطعُ عليكِ الطّريقَ إلى الله ، وتُنسيكِ الغايةَ مِن وجودِكِ في هذه الحياة والتي تحدّثنا عنها في الوقفةِ الأولى ، .. هذه البيئةُ أختي العفيفة .. هذّبيها ، واعتدِلِي في التّعامُلِ معها ، ولا تجعليها تَطْغى على حياتِكِ على حِسابِ الآخرة ، لا تجعليها تَطْغى على حُبِّكِ لله .. ، لا تجعليها تَطْغى على حُبِّكِ لله ..وأخيراً أختي العفيفة .. احذري مِن قُطّاعِ الطّريق ، احذري منهم على دينِك ، وعلى عقلِكِ ، وعلى أخلاقِكِ ، وعلى مبادئكِ العقَديّة ، واحذري مِن أن تكوني مُشارِكةً ، أو موافِقةً لهم في أيِّ مُنكرٍ قوليٍّ أو عمليّ ، وقدّمي رِضا اللهِ على رِضا النّاس ، واحرِصي أن تجعلي من حُبِّكِ للهِ ، وحُبِّكِ لما يُحِبُّهُ ويرضاه ، دافِعاً ، ووسيلةً لتغييرِ هذا الواقعِ لِيتَوَافَقَ مع هذه المحبّة ، فتسْعدِي حينئذٍ ، ويَسْعَدَ مُجْتَمَعُكِ سعادةً حقيقيّةً في الدّنيا والآخِرة ، إنّهم ، يا رعاكِ الله ، يريدون أن يجعلوا مِنكِ مِعْوَلَ هدْم ، فكوني يَدَ بِناء ، وأبشري بعد ذلك بالفلاح ..
هذه الوَقَفاتُ الثّلاثُ التي وقفنا عليها ، مهمّةٌ في حياتِك وحياةِ كُلِّ مسلمة ، .. قفي عندها مرّةً .. ومرّتين .. وثلاثَ مَرّات ، وتأمّلي طويلاً في واقِعِ حياتِكِ مِن خِلالِها ، فإنّ العُمُرَ يمضي بسُرْعة .. فلا تدَعِيهِ يمضي وأنتِ مِنه في غفْلة ، والموتُ يأتي بغْتة ، فاستعِدّي له مِن هذه اللحظة.. ، أسأل اللهَ تعالى أن يهدِيَنا جميعاً سبُلَ السّلام ، وأن يُخرجَنا مِن الظُّلُماتِ إلى النّور ، وأن يقِيَنا شرَّ كِلِّ ذي شرٍّ ، وأن يُثبِّتَنا وإيّاكِ على الهدى حتّى نلقاه ، إنّه سميعٌ قريبٌ مُجيب … ، باركَ اللهُ فيكِ ، والسّلامُ عليكِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه …
عبد العزيز السويدان

سلوك الفتاة المسلمة

سلوك الفتاة المسلمة

السلوك أختي الكريمة .. هو مصداق ما في القلب مِن أعمال ، ولأنّ أعمالَ القلب أصلُ مَيْدانِها.. أصلُ مكانِها القلب ، فهي إذن خفيّة مستترة ، القلب .. لا أحَدَ يستطيعُ أن يَشْهَدَ بما فيه من صِدْق ، وإخلاص ، ومحبّةٍ لله ، وخضوع ، ورهبة ، وخشية ، وتعظيم ، وغيرِها من الأعمالِ القلبية ، فالسبيلُ الوحيد إذن لمعرفةِ قيامِ أعمالِ القلب هذه وحقيقتِها ما هي؟ .
هي عَمَلُ الأركان ، عملُ الجوارح ، فالقلبُ إذا أخلص العبادةَ لله ، فاض ذلك الإخلاصُ على أركان الجسدِ كلِّه ، فيتحرك الجسد بما يُمليهِ عليه قلبُ المخلصِ المحبِ الله ، فالسلوك إذن .. ، ماذا تقولين ، ماذا تفعلين ، ماذا تلبسين ، كيف تتعاملين مع نصوصِ القرآن وأوامرِ النّبيّ (صلى الله عليه وسلم) وإرشاداتِه ، .. هذا السلوك ، هو انعكاسٌ حيٌّ ظاهرٌ محسوس لما استتر في القلب من إيمان ، ومشاعر ، وتعظيم وإجلال لله تبارك وتعالى ، والآن .. هل يُمكن أن تتصوَّري وجودَ صدْقٍ وإخلاص وحبٍّ لله ، ورهبةٍ وخشيةٍ منه ، وتعظيمٍ له ، في قلْبِ من إذا غادرت البلادَ ، وهي على مَتْنِ الطائرةِ بعْدُ ، لم تَمَسَّ قدمُها الأرضَ التي هي مُسافِرةٌ إليها ، كان من سلوكِها أنْ خلعت العباءةَ والحجاب ، ثم طوتْهُما ، كأن لم تكن بينها وبينَهما مودّة ، وحشرتْهما في شنطتها ، كَمَنْ يُخْفي عَيْباً !! ، ثم خرجت أمام أعينِ الناس مُسْفرةً عن كلِّ زينة !! ، أسألُكِ بكُلِّ أمانةٍ أُختي الكريمة ، هل يُمكن أن تتصوَّرِي صدْقاً وإخلاصاً للهِ في قلْبِ من تسلُكُ هذا السلوك ؟؟ ، هل يُمكن أن تتصوَّري تعظيماً للهِ وإجلالاً لأمره ونهيه في قلبِها؟؟ ، هل يُمكن أن تتصوَّري حُبّاً لما يُحِبُّه الله في قلبها ؟؟ ، هل يُمكن أن تتصوَّري ذلك ..
أُختاه يا بِنتَ الجزيرةِ ربما *** غَطَّى على عينيكِ فِكْرٌ أحمر
ولَرُبمَّا خدَعَتْكِ عَلمانيّةٌ *** ولَرُبمَّا أغراكِ ذِئبٌ أغــبر
أُختاه يا بِنتَ الجزيرةِ هكذا *** وخنادقُ الباغينَ حولَكِ تُحفر
أو هكذا والحربُ تَضْرِبُ دَفَّها *** يُلقَى بيانُكِ بالسفور ويُنشَرُ
أو هكذا والملحدون تجمّعوا مِن *** حولِنا والطّامعون تجمهروا
أنسيتِ فاطمةَ التي لِحِجابها *** خَضَعَتْ فرنسا والعُصاةُ توتّروا
أنسيتِها .. أنسيتِ كيف تحدّثت *** عنها الوسائلُ كيف عَزَّ المَخْبَرُ
قد كنتِ أوْلَى أن تكوني قُدْوةً *** تدعو إلى إسلامِها وتُبشِّرُ
قد كنتِ أوْلَى أن تكوني للتُّقى *** رمْزاً يَجِلُّ به العَفافُ ويفْخرُ
أوّاهُ يا بِنتَ الجزيرةِ هكذا *** تتمرّدين لبِئسَ هذا المنظرُ
إنّ التِزامَكِ بالحجابِ تماسُكٌ *** والسّعيُ في نزْعِ الحجابِ تدهْورُ
إنّ التِزامَكِ بالحجابِ تقدُّمٌ *** والسّعيُ في نزْعِ الحجابِ تأخُّرُ
ماذا نقولُ لكعبةِ الله التي *** بالثَّوْبِ طُولَ زمانها تتستّر
فَنَزْعُ الحِجاب ، والتّفريطُ في الالتزامْ بهيئةِ الحجابِ الرّبّانيّةِ الشّرْعيّة ، هذا السلوكُ المَشين ، سلمكِ اللهُ منه ، سلوكٌ عمليّ .. ولا يُمكن أن ينعَزِلَ السلوكُ عمّا يُكِنُّه القلب ، إذِ القلب .. هو الذي يُفرِزُ السلوك ، هذه هي الحقيقةُ الناصعة مهما كابرَ المُكابِر ، وهو مصداقُ قوله (صلى الله عليه وسلم) : ( ألا إنّ في الجسد مُضغةً إذا صَلَحت صلح الجسدُ كلُّه وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه ألا وهي القلب ) ، وأذكِّرُ هنا.. أننا قد اتّفقنا أنا وأنتِ من قبْلُ على مفهومِ العبادةِ الواسع والشّامل ، وأنّكِ تَعينه وتفهمينه جيّداً ، القضية أختي ليست صلاة وصوم فقط ، لا .. ، القضية أكبر وأبعدُ من ذلك ، إنّ العبادة تسليمٌ واستسلام ، تسليمٌ بربوبيَّةِ الله.. أنّه هو الخالق ، الرّزّاق ، مالكُ كلِّ شيء ، له وحدَه حقُّ الأمرِ و النهي كما جاء في الآية ( ألا له الخلق والأمر) ، هذا أوّلاً ، ومن ثَمّ .. ، استسلامٌ لأمره (سمِعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) وهذا ثانياً ، فالإستسلام ، الذي يعني السّمع والطّاعة ، هو نتيجةٌ حتْميّةٌ لإيماننا الكامل بربوبيّته ، ولذلك .. تريْنَ اللهَ عزّ وجلّ يُقسِم بذاتِه العظيمةِ جلّ وعلا .. ، يقسِمُ بذاتِه المقدّسة على هذا الأمر ، ولا يقسِمُ اللهُ بذاته إلاّ على أمرٍ عظيمٍ جدّاً ، وهذا الأمرُ العظيم هو صِدْقُ استسلامي واستسلامِكِ لأحكامِه وأوامرِه عزّ وجلّ ، قال تعالى : ( فلا وربِكَ [ ما الذي يُقسِمُ به اللهُ هُنا ؟ يُقْسِمُ بذاتِه سبحانه ] فلا وربِكَ لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليما) ، وتأمّلي أيّتها الفاضلة(أسْعَدَكِ اللهُ بطاعتِه) تأمّلِي في قوله تعالى : ( ويسلموا تسليما ) فلم يقل : ( ويسلّموا ) فقط ، لا.. ، بل أتى بالمفعولِ المطلق الذي هو المصدرُ هنا ( تسليما ) والذي يفيد التّوكيدَ الجازم على فَرَضِيّةِ التسليم لأحكام الله جلّ وعلا ، باطِناً وظاهِرا ، فقال مؤكِّداً وجازماً : ( ويسلّموا تسليما ) ، وإنّ من التسليم للهِ تعالى ، أن تشعُرَ المسلمة بالحياءِ من اللهِ خالقِها ، تشعُر بالحياء باطِناً وظاهِرا ، فالحياءُ في أصلِهِ شعورٌ قلبيّ ، لكنْ يظهرُ أثرُه على السّلوك بشكلٍ واضح ، الحياء .. يظهرُ أثرُه على السّلوك بشكلٍ واضح ، وهو عبادةٌ عظيمةٌ جدّاً جدّاً ، بيّن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقولِه : ( الحياءُ والإيمانُ قُرِنا جميعاً فإذا رُفِعَ أحدُهُما رُفِعَ الآخر ) ، سبحان الله !! ..إذا رُفِعَ الإيمان رُفِعَ الحياء ، وإذا رُفِعَ الحياء رُفِعَ الإيمان ، .. والآن .. هل من الحياء أن تخرُجَ المرأةُ المسلمةُ الموحِّدة في حفْلاتِ الزّواج ، أو أيَّةِ مناسَبَة ، بأزياء تكشِفُ مفاتِنَها أمام النساء ..؟؟ ، هل من الحياء أن تخرُجَ بفستان قصير فوق الركبة ، وآخر مشقوقِ الجنبين يُظهِرُ فخِذَيْها ، وآخر يكشِفُ صدرَها .. نِصْفَه أو أكثرَ من ذلك ، أو يكشِفُ كلَّ ظهرِها ، أو تخرج بفستانٍ ضيّق يُحجِّمُ مفاتِنَها ، أو غيرِها من الأزياءِ التي لا تليقُ بالمرأةِ العفيفة ، هل من الحياء .. الذي هو دليل الإيمان .. أن تخرُجَ المرأةُ بمِثلِ هذه الأزياء ..؟؟ ، أَوَ هكذا تسوقُنا الأهواءُ والشّهواتُ سَوْقَ النِّعاج..! ، نركُضُ وراء الموُضة بلا شعور !! ، نركضْ وراءَها رَكْضَ العُميان !! ، نركض وراء الموُضة بلا اعتبار لدين ولا أخلاق ولا حياء!! ، أين تميّزُ المسلمة عن غيرِها من نساءِ الكُفْرِ والإباحيّة ؟ ، أمّ سلمة (رضي الله عنها) ، أمّ سلمة التي ينبغي أن تكونَ قُدْوةً لكِ ولكلِّ مسلمة ، لمّا سمِعت رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظرِ الله إليه يوم القيامة ) ، جاءت إليه تسألُهُ باهتمامٍ شديد ( فكيف يصنعُ النساءُ بذيولهنّ [ أي بطرفِ الفستان أو الثّوب ] ، قال : (يرخين شِبْراً ) ، فقالت : ( إذن تنكشفُ أقدامهنّ !!) ، قال : ( يُرخين ذراعاً ولا يزدن ) ، الله أكبر .. انظري .. ، انظري .. ، ما الذي أقلق أمَّ سلمة (رضي الله عنها) ؟؟ ، انكشافُ القدمين !! ، ..كيف تنكشفُ القدمان .. هذا هو الذي أقلقها ؟!! ، ..هل لكِ أن تتصوّري حياءً مثْلَ هذا الحياء أختي المسلمة ؟؟ ، ولمّا نعود إلى أصلِ الحكم الفقهي ، أقول : نعم .. ، نعم .. هناك من تحتجّ ببعضِ أقوالِ العلماء مِن أنّ حدودَ عورةِ المرأةِ أمام المرأة من السُّرّةِ إلى الرّكبة ، وهو قولٌ مَبْنِيٌّ على أن الأصل ، اشتراكُ المرأةِ مع الرّجلِ في الأحكام إلاّ ما خُصّت به المرأة ، فلمّا لم يأتِ بيانٌ خاصٌّ بالمرأةِ في حدودِ عورتِها بالنّسبةِ للمرأة ، قاس أصحابُ هذا القولِ على الحكمِ بالنسبة للرجال ، فقالوا : عورةُ المرأةِ أمام المرأة من السّرّةِ إلى الركبة أيضاً ، وقيّد بعضُهم جوازَ النّظرِ بأمْنِ الفتنة ، يعني إذا لم يكن هناك فتنة ، فيجوزُ لها أن تنظرَ سِوى ما بينَ السّرّةِ والرّكبة ، واستدرك بعضُ العلماء على هذا القول بالتّفريق بين (حكمِ النّظر وحكمِ اللّباس) ، فقالوا : هناك أحكامٌ للنّظرِ وأحكامٌ لِلّباس ، فجوازُ نظرِ المرأةِ إلى صدرِ المرأةِ مثلاً ، لا يستلزِمُ جوازَ تكشُّفِها وارتداءِها ملابسَ الفاسقات ، فإنّ التّشبُّهَ بالفاسقاتِ بِلُبْسِ ملابِسِهِنّ الخليعةِ الفاضحةِ ، حرامٌ قطْعاً ، وإنّما أجزْنا النّظرَ لما تقتضيه حاجةُ المرأةِ من كشْفِ الثّديِ للرَّضاعِ حالَ اجتماعِها بالنساءِ وما شابه ذلك ، وعلى أيِّ حال ..أختي الكريمة ، فهناك قولٌ فقهيٌّ قويّ يذهبُ إلى أنّ حدودَ عورةِ المرأةِ بالنّسبةِ للمرأةِ ، هي كما هي بالنّسبةِ للمحارم ، أي مواضعُ الزّينةِ مِن جسدِ المرأة ، وهي كالتالي : الشعر ، الذي هو موضعُ التّاج ، والنحر ، الذي هو موضعُ القِلادة ، واليدان والذراعان حتى العَضُدَيْن ، موضعُ الخاتَم و الأَسورةِ والدُّملُج ، والقدمان حتّى أسفلَ السّاقين ، موضِعُ الخَلْخال ، أمّا ما وراءَ هذه الحدودِ ، فحرامٌ كشفُهُ على الإطلاقِ ، سِوى للزّوج ، واستدلّوا على ذلك بالآيةِ الكريمة (وقل للمؤمناتِ يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ، ، ولا يبدين زينتهنّ [ أي زينتَهُنّ ذاتَها ويأتي تَبَعاً مواضعُ زينتِهِنّ ] إلاّ لبعولتِهِنّ أو آبائهِنّ أو آباءِ بعولتهِنّ ، ، إلى قولِه : أو نسائهن ) ، فجَمَعَ في حدود ما يجوزُ أن تُبدِيَه المرأةُ من أجزاءِ جسدِها ، جَمَعَ بين المحارمِ والنساءِ ، فحُكْمُهُما واحد ، .. ولذلك نرى نهْياً من الرّسولِ (صلى الله عليه وسلم) للرّجالِ أن يسمحْنَ لزوجاتِهِنّ أن يدخُلْنَ الحمّامَ الخاصّ بالنِّساء [ والمقصود : هو ذلك الحمّامُ الجماعي الخاصّ ، إمّا للرجالِ أو للنساء ، والذي يُخَصَّصُ في بعضِ البلاد من أجل غَسْلِ الجسد ، أشْبَهَ بالحمام التُّرْكي ، ويُخْشَى أن يكونَ فيه كشْفٌ للعورات ] ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ( من كان يؤمن بالله واليومِ الآخِر فلا يُدخِلُ حليلتَه الحمّام ) ، رواه النَّسائي والتِّرْمذيّ وحسّنه ، وفي حديثِ أبي أيوبٍ (رضي الله عنه) بلفظ : (من كان يؤمن بالله واليومِ الآخِر من نسائكُم فلا يَدخُلِ الحمّام ) ، وعن أبي المُلَيْحِ الهُذَلِيّ ، أنّ نساءً من أهلِ حِمْص ، أو من أهلِ الشّام ، دخلْنَ على عائشةَ (رضي الله عنها) ، فقالت : ( أنتُنّ اللاتي يَدخُلْنَ نساؤكُنّ الحمّامات ؟! ، سمِعتُ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( ما مِنِ امرأةٍ تضعُ ثيابَها في غيرِ بيتِ زوجِها إلاّ هَتَكَتِ السِّتْرَ بينها وبين ربِّها ) رواه التِّرمذيُّ وهو صحيح ، فتلك الآية ، وتلك الآثار تدُلُّ على أنّ الحياءَ لباسٌ للمسلمةِ لا تنزِعُهُ عنها ، سواءً أمام الرجال ، أو أمام النِّساء ، فالأزياءُ الخليعة التي يلبَسُها بعضُ النساء ، أو كثيرٌ من النساء في الحفَلات ، ويتباهيْن بها وبخلاعَتِها وتعريتِها لأجسادهن ، تناقِضُ الحياء ، ولا تليق أبداً بالمرأةِ المؤمنة ، ..
ظاهرةٌ أخرى تتعلقُ بالسلوكِ النّابعِ من مقدار إيمانِ المسلمةِ بحديثِ الرّسولِ(صلى الله عليه وسلم) ، إنّها ظاهرةُ السّفرِ بدونِ محرم ، فما هو مقدارُ إيمانُكِ أختي المسلمة بحديثِ النّبيِ(صلى الله عليه وسلم) الذي يقولُ فيه : ( لا تُسافرُ المرأةُ إلاّ مع ذي محرم ) رواه أحمد والبيهقي بسندٍ صحيح ، ولا تغترِّي أختي العفيفةُ ببعضِ الآراءِ الغريبةِ المُتساهلة ، الآراءِ التي لا تستندُ إلى دليل ، كالرّأيِ الذي يُجيزُ للمرأة السفرَ مع مجموعةٍ مأمونةٍ من النّساء ، فالحكمُ الشّرعي لا يؤخذُ من الآراءِ العقلانيّة التي تَأَثَّرَ أصحابُها بضغطِ الواقع وكثرةِ الأهواء فحرِصَوا على أن يُنشِئوا فِقْهاً يُناسبُ أمزجةَ النّاسِ ولو خالَفَ الدّليل ، فالحكمُ الشرعيّ لا يُؤخَذُ من تلك الآراء ، أُختي في الله ..إنّ الأمرَ دين ، والدِّين .. هو أعظمُ وأغلى شيءٍ يملِكُهُ الإنسان ، فلا يُؤخذُ مِن أصحابِ المناهجِ التي ترى أنّ التّيسيرَ ، في قولِه(صلى الله عليه وسلم) : ( يسِّروا ولا تُعسِّروا ) هو في اتّباعِ الأقوالِ الضّعيفةِ والآراءِ الشّاذّة ، هؤلاءِ لن يرفعوا عنكِ الإثمَ باتّباعِكِ لأقوالِهِم ، وإنّما يَعتصِمُ المسلمُ بالكتابِ والسنّةِ في مثلِ هذه الأمور ولو خالَفَ رغبةَ النّفس ، ومِن ثَمّ يطلُبُ البراءةَ لدينِه ، ولقد أعْفَىَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) رجلاً من الجهادِ في سبيل الله من أجلِ أن يُسافرَ مع زوجتِه إلى الحج ، ولو كان سفرُ المرأةِ لوحدِها مع النساءِ مُباحاً لرخّص لها النّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) في ذلك ، فعن ابن عباس: « أَنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: لاَ يَخْلُونَّ رَجَلٌ بِامْرَأةِ إلاَّ وَمَعَها ذو مَحْرَمٍ وَلاَ تُسَافِرُ الْمَرْأةُ إِلاَّ مع ذِي مَحْرَمِ» ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وإِنِّي اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وكذا ، قَالَ: « فَانْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ». متفقٌ على صحّته ، فإذا كان الرّجلُ يُعفَى من الجهاد من أجْلِ السّفرِ مع زوجته ، فكيف تُبيحُ المُسلِمةُ لِنَفْسِها السّفر بلا محرم بلا سبب أو لأدنى سبب ؟ ، وإذا كان الشّارعُ قد نهى المسلمةَ عن سفرِ الطّاعةِ ، كالحج مثلاً ، بدونِ محرم .. فكيف بغيرِهِ من الأسفار العادية للنُّزهة أو للزيارة ..؟ ، جاءَ عند الداّرَقطني من حديث بنِ عبّاس أنه(صلى الله عليه وسلم) قال: «لاَ تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجٌ» صححه أبو عوانة .
 الحاصل أختي الكريمة ، أن السلوك مهما كان.. هو مِصداقُ ما في القلب مِن أعمال ، ولا يُمكن لأحدٍ أن يفرِّقَ بين السلوك وبين ما يُكِنُّه القلب ، ولذلك جمع النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بين الأمرين في ميزانِ الله تعالى فقال (صلى الله عليه وسلم) : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبِكم وأعمالِكم) رواه أحمد ومسلم وبن ماجة ، (ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم).. إذن لا انفصال بين عمل القلب وعمل الجارحةِ في ميزانِ الله تبارك وتعالى .
ألا تتّفقين معي إذن أختي الكريمة ، في أنّ السّلوكَ .. هو مصداقُ ما في القلب مِن أعمال؟؟ ، وأنّ كُلَّ عمَلٍ صغيرٍ وكبيرٍ تقومين به ، وكُلَّ مَظْهرٍ تَخرُجين به ، بِحَسَبِ قُرْبِه أو بُعْدِهِ مِن دينِ الله .. إنّما هو انعكاسٌ (حيٌّ ، ظاهرٌ ، محسوس) لما استتر في قَلْبِكِ من إيمان ومشاعرَ حُبٍّ وتعظيمٍ وإجلالٍ لله تبارك وتعالى ؟؟ ، إذا قُلْتِ كلاّ لا أتّفِقُ معَك !! ، قُلْتُ استعيني باللهِ ، واسأليهِ الهدايةَ والرّشاد ، وراجعي كتابَ الله ، راجعيه ..فإنّه مليءٌ بالأدِلّةِ ، مليءٌ بالأدِلّةِ على هذه الحقيقة ، أمّا إنْ كانت إجابَتُكِ : بلى أتّفِقُ معكَ ..[ وهو ما أتوقّعُه إن شاءَ الله] قُلْتُ : الحمدُ للهِ .. عسى اللهُ أن يُثَبِّتَ قلبي وقلبَكِ على الحقَّ ، فإنّ الثّباتَ على الحقِّ والاستقامةَ عليهِ نعمةٌ عظيمة ، والثّباتُ على الحقّ ، يقودُنا للوقفةِ الثّالثةِ التي تُعْنَى بِرعايةِ الحقّ وحِفْظِه ، ووِقايَةِ القلب مِن أسبابِ الزّيغِ والانحراف .. ،
ل عبد العزيز السويدان